للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يمشيه على وجهه» (١) {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: ٩٧] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ عُمْيٌ وَبُكْمٌ وَصُمٌّ. وَقَدْ قَالَ: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ} [الْكَهْفِ: ٥٣] وَقَالَ: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الْفُرْقَانِ: ١٣] وَقَالَ: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الْفُرْقَانِ: ١٢] أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ وَالْكَلَامَ وَالسَّمْعَ؟ قِيلَ: يُحْشَرُونَ عَلَى مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ تُعَادُ إِلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَجَوَابٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عُمْيًا لَا يَرَوْنَ مَا يَسُرُّهُمْ بُكْمًا لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ صُمًّا لَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا يَسُرُّهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا حِينَ يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ إِلَى أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هَذَا حِينَ يُقَالُ لَهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] يصيرون بِأَجْمَعِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا لَا يَرَوْنَ وَلَا يَنْطِقُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ. {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} [الإسراء: ٩٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلَّمَا سَكَنَتْ، أَيْ: سَكَنَ لَهِيبُهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: طُفِئَتْ وَقَالَ قَتَادَةُ: ضَعُفَتْ وَقِيلَ: هُوَ الْهُدُوُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ نُقْصَانٌ فِي أَلَمِ الْكُفَّارِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} [الزُّخْرُفُ: ٧٥] وَقِيلَ: كُلَّمَا خَبَتْ أَيْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْبُوَ، {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: ٩٧] أَيْ: وَقُودًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قوله: {كُلَّمَا خَبَتْ} [الإسراء: ٩٧] أَيْ: نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ وَاحْتَرَقَتْ أُعِيدُوا فِيهَا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَزَيْدَ فِي تَسْعِيرِ النَّارِ لِتَحْرِقَهُمْ.

[٩٨] {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: ٩٨] فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.

[٩٩] فَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الإسراء: ٩٩] فِي عَظَمَتِهَا وَشِدَّتِهَا، {قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [الإسراء: ٩٩] فِي صِغَرِهِمْ وَضَعْفِهِمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غَافِرٍ: ٥٧] {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا} [الإسراء: ٩٩] أَيْ: وَقْتًا لِعَذَابِهِمْ، {لَا رَيْبَ فِيهِ} [الإسراء: ٩٩] أَنَّهُ يَأْتِيهِمْ، قِيلَ: هُوَ الْمَوْتُ، وَقِيلَ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء: ٩٩] أَيْ: جُحُودًا وَعِنَادًا.

[١٠٠] {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: ١٠٠] أَيْ: نِعْمَةِ رَبِّي. وَقِيلَ: رِزْقِ ربي، {إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ} [الإسراء: ١٠٠] لبخلتم وحبستم، {خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء: ١٠٠] أَيْ: خَشْيَةَ الْفَاقَةِ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ: خَشْيَةَ النَّفَادِ، يُقَالُ: أَنْفَقَ الرَّجُلُ أَيْ أَمْلَقَ وَذَهَبَ مَالُهُ وَنَفَقَ الشَّيْءُ، أَيْ: ذَهَبَ، وَقِيلَ: لَأَمْسَكْتُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ خَشْيَةَ الْفَقْرِ، {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء: ١٠٠] أَيْ: بَخِيلًا مُمْسِكًا عَنِ الْإِنْفَاقِ.

[١٠١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: ١٠١] أَيْ: دَلَالَاتٍ وَاضِحَاتٍ، فَهِيَ الْآيَاتُ التِّسْعُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: هِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ الْبَيْضَاءُ وَالْعُقْدَةُ التي كانت بلسانه


(١) أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٤٩٢ ومسلم في المنافقين ٤ / ٢١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>