للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُلْقِيَ عَلَى مُوسَى الْجُوعُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصَّخْرَةِ، لِيَتَذَكَّرَ الْحُوتَ وَيَرْجِعَ إلى مطلبه.

[٦٣] {قَالَ} [الكهف: ٦٣] له فتاه يذكر {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: ٦٣] وَهِيَ صَخْرَةٌ كَانَتْ بِالْمَوْضِعِ الْمَوْعُودِ {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: ٦٣] أَيْ تَرَكْتُهُ وَفَقَدْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ يُوشَعَ حِينَ رَأَى ذَلِكَ مِنَ الْحُوتِ قَامَ لِيُدْرِكَ مُوسَى فَيُخْبِرَهُ، فَنَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ فَمَكَثَا يَوْمَهُمَا حَتَّى صَلَّيَا الظُّهْرَ مِنَ الْغَدِ. قِيلَ: فِي الْآيَةِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: نَسِيتُ أَنْ أَذْكُرَ لَكَ أَمْرَ الْحُوتِ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: ٦٣] أَيْ وَمَا أَنْسَانِي أَنْ أَذْكُرَ لَكَ أَمْرَ الْحُوتِ إِلَّا الشَّيْطَانُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْسَانِيهُ لِئَلَّا أَذْكُرَهُ، {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} [الكهف: ٦٣] قِيلَ: هَذَا مِنْ قَوْلِ يُوشَعَ، وَيَقُولُ طَفَرَ الْحُوتُ إِلَى الْبَحْرِ فَاتَّخَذَ فِيهِ مَسْلَكًا فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ عَجَبًا. وَرُوِّينَا فِي الْخَبَرِ: كَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى وَفَتَاهُ عجبا (١) .

[٦٤] {قَالَ} [الكهف: ٦٤] مُوسَى {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: ٦٤] أَيْ نَطْلُبُ، {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: ٦٤] أَيْ: رَجَعَا يَقُصَّانِ الْأَثَرَ الَّذِي جاءا منه يبتغيانه، فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا، قِيلَ: كَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَ فِي التَّوَارِيخِ، وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ الْخَضِرُ» (٢) وَاسْمُهُ بَلِيَا بْنُ مَلْكَانَ، قِيلَ: كَانَ مِنْ نَسْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقِيلَ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ تَزَهَّدُوا فِي الدُّنْيَا، وَالْخَضِرُ لَقَبٌ لَهُ.

[٦٥] فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً} [الكهف: ٦٥] أَيْ نِعْمَةً، {مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: ٦٥] أي إِلْهَامًا وَلَمْ يَكُنِ الْخَضِرُ نَبِيًّا عند أكثر أهل العلم، يقول: جئت لأتبعك.

[٦٦] {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} [الكهف: ٦٦] وَأَصْحَبَكَ، {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: ٦٦] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: (رَشَدًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ، أَيْ صَوَابًا. وَقِيلَ: عِلْمًا تُرْشِدُنِي بِهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى هَذَا قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: كَفَى بِالتَّوْرَاةِ عِلْمًا وبني إِسْرَائِيلَ شُغْلًا, فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِهَذَا فَحِينَئِذٍ.

[٦٧] {قَالَ} [الكهف: ٦٧] لَهُ الْخَضِرُ، {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: ٦٧] وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَرَى أُمُورًا مُنْكَرَةً, وَلَا يَجُوزُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى الْمُنْكَرَاتِ, ثُمَّ بَيَّنَ عُذْرَهُ فِي ترك الصبر.

[٦٨] فقال له: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف: ٦٨] أي علما.

[٦٩] {قَالَ} [الكهف: ٦٩] مُوسَى، {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الكهف: ٦٩] إِنَّمَا اسْتَثْنَى لِأَنَّهُ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ بِالصَّبْرِ {وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: ٦٩] أي لا أخالفك فيما تأمرني.


(١) في رواية البخاري في كتاب التفسير: (فكان لفتاه عجبا وللحوت سربا) .
(٢) انظر صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء باب حديث الخضر مع موسى (٦ / ٤٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>