للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦٧] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَا يَذْكُرُ} [مريم: ٦٧] أَيْ يَتَذَكَّرُ وَيَتَفَكَّرُ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ يَذْكُرُ خفيف، {الْإِنْسَانُ} [مريم: ٦٧] يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: ٦٧] أَيْ لَا يَتَفَكَّرُ هَذَا الْجَاحِدُ فِي بَدْءِ خَلْقِهِ فَيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى الْإِعَادَةِ، ثُمَّ أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ، فقال:

[٦٨] {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: ٦٨] أي لَنَجْمَعَنَّهُمْ فِي الْمَعَادِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ المنكرين للبعث، {وَالشَّيَاطِينَ} [مريم: ٦٨] مَعَ الشَّيَاطِينِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحْشُرُ كُلُّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانِهِ فِي سِلْسِلَةٍ، {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ} [مريم: ٦٨] قيل: في جهنم، {جِثِيًّا} [مريم: ٦٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَمَاعَاتٍ، جَمْعُ جَثْوَةٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ: جَمْعُ جَاثٍ أَيْ جَاثِينَ عَلَى الرُّكَبِ. قَالَ السُّدِّيُّ: قَائِمِينَ عَلَى الرُّكَبِ لِضِيقِ الْمَكَانِ.

[٦٩] {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ} [مريم: ٦٩] لنخرجن، {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم: ٦٩] أَيْ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ وَأَهْلِ دِينٍ مِنَ الْكُفَّارِ. {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: ٦٩] عُتُوًّا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي جَرْأَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فُجُورًا يُرِيدُ الْأَعْتَى فَالْأَعْتَى. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَائِدُهُمْ وَرَأْسُهُمْ فِي الشَّرِّ يُرِيدُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِي إدخال النار مَنْ هُوَ أَكْبَرُ جُرْمًا وَأَشَدُّ كفرا. وفي بعض الآثار أنهم يحضرون جميعا حول جهنم مسلمين مَغْلُولِينِ، ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَكْفَرُ فَالْأَكْفَرُ وَرَفَعَ أَيُّهُمْ عَلَى مَعْنَى الَّذِي، يُقَالُ لَهُمْ: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا. وَقِيلَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، ثُمَّ لَننْزِعَنَّ يَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ.

[٧٠] {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} [مريم: ٧٠] أَيْ أَحَقُّ بِدُخُولِ النَّارِ، يُقَالُ: صَلِي يَصْلَى صِلِيًّا مِثْلُ لَقِيَ يلقى لقيا، صلى يَصْلِي صُلِيًّا مِثْلُ مَضَى يَمْضِي مُضِيًّا إِذَا دَخَلَ النَّارَ وَقَاسَى حرها.

[٧١] {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مَرْيَمَ: ٧١] أي وَمَا مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا, وَقِيلَ: القسم في مُضْمَرٌ أَيْ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَارِدُهَا, وَالْوُرُودُ هُوَ مُوَافَاةُ الْمَكَانِ, وَاخْتَلَفُوا فِي الْوُرُودِ هَاهُنَا وَفِيمَا تَنْصَرِفُ إِلَيْهِ الكناية في قوله: {وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مَعْنَى الْوُرُودِ هَاهُنَا هُوَ الدُّخُولُ، وَالْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى النَّارِ، وَقَالُوا: النَّارُ يَدْخُلُهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، ثُمَّ يُنْجِّي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ، فَيُخْرِجُهُمْ مِنْهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوُرُودَ هُوَ الدُّخُولُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: ٩٨] وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْوُرُودِ الدُّخُولَ, وَقَالُوا: النَّارُ لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ أَبَدًا, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ - لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠١ - ١٠٢] وَقَالُوا: كُلُّ مَنْ دَخَلَهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا, وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] الْحُضُورُ وَالرُّؤْيَةُ, لَا الدُّخُولُ, كَمَا قال تَعَالَى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص: ٢٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>