للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّصْفِ الْأَوَّلِ انْتِهَاءً وَطَرَفُ النِّصْفِ الْآخَرِ ابْتِدَاءً، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَمِنْ أَطْرَافِ النَّهَارِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ، لِأَنَّ الظَّهْرَ فِي آخِرِ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّهَارِ، وَفِي أَوَّلِ الطرف الآخر من النهار، فَهُوَ فِي طَرَفَيْنِ مِنْهُ وَالطَّرَفُ الثَّالِثُ غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يصلي المغرب، {لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: ١٣٠] أَيْ تَرْضَى ثَوَابَهُ فِي الْمَعَادِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: تُرضي بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ تُعْطَى ثَوَابَهُ. وَقِيلَ: تَرْضَى أَيْ يَرْضَاكَ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا قَالَ: {وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مَرْيَمَ: ٥٥] وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ لَعَلَّكَ تَرْضَى بِالشَّفَاعَةِ، كَمَا قَالَ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: ٥]

[١٣١] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: ١٣١] قَالَ أَبُو رَافِعٍ: «نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفٌ فَبَعَثَنِي إِلَى يَهُودِيٍّ فَقَالَ لِي: "قُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ الله يقول لك يعني كَذَا وَكَذَا مِنَ الدَّقِيقِ وَأَسْلِفْنِي إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ" فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللَّهُ لَا أَبِيعُهُ وَلَا أُسْلِفُهُ إِلَّا بَرْهَنٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ بَاعَنِي وَأَسْلَفَنِي لَقَضَيْتُهُ وَإِنِّي لِأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ وَأَمِينٌ فِي الْأَرْضِ، اذْهَبْ بِدِرْعِي الْحَدِيدِ إِلَيْهِ» (١) . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: ١٣١] لَا تَنْظُرْ، {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} [طه: ١٣١] أعطينا، {أَزْوَاجًا} [طه: ١٣١] أَصْنَافًا، {مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [طه: ١٣١] أَيْ زِينَتَهَا وَبَهْجَتَهَا، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ زَهَرَةَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بجزمها، {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: ١٣١] أَيْ لِنَجْعَلَ ذَلِكَ فِتْنَةً لَهُمْ بِأَنْ أُزِيدَ لَهُمُ النِّعْمَةَ فَيَزِيدُوا كفرًا وطغيانًا، {وَرِزْقُ رَبِّكَ} [طه: ١٣١] في المعاد يعني في الجنة، {خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ١٣١] قال أبي ابن كعب: من لم يستعز بعز اللَّهِ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ حَسَرَاتٍ، وَمَنْ يتبع بصره فيما في أيدي النَّاسِ بَطَلَ حُزْنُهُ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبَسِهِ فَقَدْ قَلَّ عَمَلُهُ وَحَضَرَ عَذَابُهُ.

[١٣٢] {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: ١٣٢] أَيْ قَوْمَكَ. وَقِيلَ: مَنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ} [مَرْيَمَ: ٥٥] {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: ١٣٢] أَيِ اصْبِرْ عَلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

{لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه: ١٣٢] لَا نُكَلِّفُكَ أَنْ تَرْزُقَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِنَا، وَلَا أَنْ تَرْزُقَ نَفْسَكَ وَإِنَّمَا نُكَلِّفُكَ عَمَلًا، {نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ} [طه: ١٣٢] الخاتمة الجميلة المحمودة، {لِلتَّقْوَى} [طه: ١٣٢] أَيْ لِأَهْلِ التَّقْوَى. قَالَ ابْنُ عباس: يعني الَّذِينَ صَدَّقُوكَ وَاتَّبَعُوكَ وَاتَّقَوْنِي. وَفِي بَعْضِ الْمَسَانِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ إِذَا أَصَابَ أَهْلَهُ ضُرٌّ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ» .

[١٣٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا} [طه: ١٣٣] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، {لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [طه: ١٣٣] أي الآية


(١) أخرجه إسحاق وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والطبري والطبراني وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو متروك انظر الكافي الشافي ص ١٠٩ وأسباب النزول للواحدي ص ٣٥٢ وأيد القرطبي بطلان هذه الرواية ١١ / ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>