{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: ٣٦] يَيْأَسُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَهَذَا خِلَافُ وَصْفِ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَشْكُرُ اللَّهَ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَيَرْجُو رَبَّهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ.
[٣٧] {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم: ٣٧]
[٣٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الروم: ٣٨] من البر والصلة، {وَالْمِسْكِينَ} [الروم: ٣٨] وَحَقُّهُ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، {وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم: ٣٨] يَعْنِي الْمُسَافِرَ، وَقِيلَ: هُوَ الضَّعِيفُ، {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: ٣٨] يَطْلُبُونَ ثَوَابَ اللَّهِ بِمَا يَعْمَلُونَ، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: ٣٨]
[٣٩] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم: ٣٩] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ. (أَتَيْتُم) مَقْصُورًا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْمَدِّ أَيْ أَعْطَيْتُمْ، وَمَنْ قَصَرَ فَمَعْنَاهُ مَا جِئْتُمْ من ربا ومجيئهم ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْطَاءِ كَمَا يقول: أَتَيْتُ خَطَئًا وَأَتَيْتُ صَوَابًا فَهُوَ يئول في معنى إلى قول مَنْ مَدَّ. {لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} [الروم: ٣٩] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ: لِتُرْبُوا بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْوَاوِ عَلَى الْخِطَابِ أَيْ لِتُرْبُوا أَنْتُمْ وَتَصِيرُوا ذَوِي زِيَادَةٍ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا، وَنَصْبِ الْوَاوِ وَجَعَلُوا الْفِعْلَ لِلرِّبَا لِقَوْلِهِ: {فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الرُّومِ: ٣٩] فِي أَمْوَالِ النَّاسِ أَيْ فِي اخْتِطَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَاجْتِذَابِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ الرَّجُلُ يعطي غيره العطية ليثيبه أَكْثَرَ مِنْهَا فَهَذَا جَائِزٌ حَلَالٌ لكن لا ثواب عليها فِي الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل: فلا يربو عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ هَذَا حَرَامًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [الْمُدَّثِّرِ: ٦] أَيْ لَا تُعْطِ وَتَطْلُبْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: هُوَ الرَّجُلُ يُعْطِي صَدِيقَهُ أَوْ قَرِيبَهُ لِيُكْثِرَ مَالَهُ وَلَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ الرَّجُلُ يَلْتَزِقُ بِالرَّجُلِ فَيَخْدِمُهُ وَيُسَافِرُ مَعَهُ فَيَجْعَلُ لَهُ رِبْحَ مَالِهِ الْتِمَاسَ عَوْنِهِ لوجه الله فلا يربو عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} [الروم: ٣٩] أَعْطَيْتُمْ مِنْ صَدَقَةٍ {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: ٣٩] فيضاعف لَهُمُ الثَّوَابُ فَيُعْطَوْنَ بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَالْمُضْعِفُ ذُو الْأَضْعَافِ مِنَ الْحَسَنَاتِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: الْقَوْمُ مَهْزُولُونَ وَمَسْمُونُونَ إِذَا هَزَلَتْ أَوْ سَمِنَتْ إِبِلُهُمْ.
[٤٠] {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: ٤٠]
[٤١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: ٤١] يَعْنِي قَحْطَ الْمَطَرِ وَقِلَّةَ النَّبَاتِ وَأَرَادَ بِالْبَرِّ الْبَوَادِيَ وَالْمَفَاوِزَ وَبِالْبَحْرِ الْمَدَائِنَ وَالْقُرَى الَّتِي هِيَ عَلَى الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: الْعَرَبُ تسمي المصر بحرا يقال: أَجْدَبَ الْبَرُّ وَانْقَطَعَتْ مَادَّةُ الْبَحْرِ، {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: ٤١] أي بشؤم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute