للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَقَالَا: هِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَحُفُّ بِالَّذِينِ يُصَلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمُ الَّذِينَ لَا يقومون حَتَّى يُصَلُّوا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍ وَعُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: هُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ والفجر في جماعة، وَأَشْهُرُ الْأَقَاوِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ومجاهد ومالك والأوزاعي وجماعة، «عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرِنَا فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَهُوَ يَسِيرُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النار، قال: " لقد سَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لِيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ "، ثُمَّ قَالَ: " أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تطفئ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ الليل " ثم تلا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: ١٦] حَتَّى بَلَغَ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧] ثم قال: ألا أدلك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصلاة، وذروة سنامه الجهاد» (١) .

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: ١٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَوْفًا مِنَ النَّارِ وَطَمَعًا فِي الْجَنَّةِ، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: ١٦] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ. وقيل: فِي الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ.

[١٧] {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} [السجدة: ١٧] قَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ: (أُخْفِي لَهُمْ) سَاكِنَةَ الْيَاءِ أَيْ أَنَا أُخْفِي لَهُمْ، وَمِنْ حُجَّتِهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ (نُخْفِي) بِالنُّونِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بفتحها، {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] مِمَّا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ «اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خطر على قلب بشر» (٢) ". قال ابن عباس: هَذَا مِمَّا لَا تَفْسِيرَ لَهُ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: أَخْفَوْا أَعْمَالَهُمْ فأخفى الله ثوابهم.

[١٨] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: ١٨] وَلَمْ يَقُلْ لَا يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مُؤْمِنًا وَاحِدًا وَفَاسِقًا وَاحِدًا بَلْ أَرَادَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وجميع الفاسقين.


(١) أخرجه الترمذي في الإيمان ٧ / ٣٦٢ وقال: (هذا حديث حسن صحيح) والنسائي في التفسير ٢ / ١٥٦ وابن ماجه في الفتن رقم (٣٩٧٣) وعبد الرزاق في المصنف ١١ / ١٩٤ وعبد بن حميد في المنتخب من المسند برقم (١١٢) ص ٦٨ وأخرجه الحاكم مطولا ٢ / ٤١٢ وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه البخاري في بدء الخلق ٦ / ٣١٨ ومسلم في الجنة برقم (٢٨٢٤) ٤ / ٢١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>