{بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: ١٨] قَالَ الْكَلْبِيُّ: غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وَالْإِشْرَاقُ هُوَ أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ وَيَتَنَاهَى ضوؤها. وَفَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِصَلَاةِ الضُّحَى.
[١٩] قوله عز وجل: {وَالطَّيْرَ} [ص: ١٩] أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ، {مَحْشُورَةً} [ص: ١٩] مَجْمُوعَةً إِلَيْهِ تُسَبِّحُ مَعَهُ، {كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} [ص: ١٩] مُطِيعٌ رَجَّاعٌ إِلَى طَاعَتِهِ بِالتَّسْبِيحِ، وَقِيلَ: أَوَّابٌ مَعَهُ أَيْ مُسَبِّحٌ.
[٢٠] {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} [ص: ٢٠] أَيْ قَوَّيْنَاهُ بِالْحَرَسِ وَالْجُنُودِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ أَشَدَّ مُلُوكِ الْأَرْضِ سُلْطَانًا كَانَ يَحْرُسُ مِحْرَابَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ رجل {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} [ص: ٢٠] يَعْنِي النُّبُوَّةَ وَالْإِصَابَةَ فِي الْأُمُورِ، {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: ٢٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيَانَ الْكَلَامِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: عُلِّمَ الْحُكْمَ وَالتَّبَصُّرَ فِي الْقَضَاءِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: هُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، لِأَنَّ كَلَامَ الْخُصُومِ يَنْقَطِعُ وَيَنْفَصِلُ بِهِ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: فَصْلُ الْخِطَابِ الشُّهُودُ وَالْأَيْمَانُ. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ فَصْلَ الْخِطَابِ هُوَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ، إِذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي كَلَامٍ آخَرَ، وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهُ دَاوُدُ عليه السلام.
[٢١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: ٢١] فَمَا شَعَرَ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَّا وَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ جَالِسَيْنِ، يُقَالُ: كَانَا جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وحل: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} [ص: ٢١] خَبَرُ الْخَصْمِ، {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: ٢١] صَعَدُوا وَعَلَوْا، يُقَالُ: تَسَوَّرْتُ الْحَائِطَ وَالسُّورَ إِذَا عَلَوْتَهُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْفِعْلَ وَهُمَا اثْنَانِ لِأَنَّ الْخَصْمَ اسْمٌ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَمَعْنَى الْجَمْعِ فِي الِاثْنَيْنِ مَوْجُودٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ ضَمُّ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ هَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التَّحْرِيمُ: ٤]
[٢٢] {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ} [ص: ٢٢] خَافَ مِنْهُمَا حِينَ هَجَمَا عَلَيْهِ فِي مِحْرَابِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَقَالَ: مَا أَدْخَلَكُمَا عَلَيَّ، {قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ} [ص: ٢٢] أَيْ نَحْنُ خَصْمَانِ {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: ٢٢] جِئْنَاكَ لِتَقْضِيَ بَيْنَنَا، فَإِنْ قِيلَ: كيف قال: {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: ٢٢] وَهُمَا مَلَكَانِ لَا يَبْغِيَانِ؟ قِيلَ: معناه رأيت خَصْمَيْنِ بَغَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ لَا عَلَى تَحْقِيقِ الْبَغْيِ مِنْ أَحَدِهِمَا. {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ} [ص: ٢٢] أَيْ لَا تَجُرْ، يُقَالُ: شَطَّ الرَّجُلُ شَطَطًا وَأَشَطَّ إِشْطَاطًا إِذَا جَارَ فِي حُكْمِهِ، وَمَعْنَاهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ شَطَّتِ الدَّارُ وَأَشَطَّتْ إِذَا بَعُدَتْ. {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص: ٢٢] أَرْشِدْنَا إِلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ وَالْعَدْلِ، فَقَالَ دَاوُدُ لَهُمَا: تَكَلَّمَا.
[٢٣] فَقَالَ أحدهما: {إِنَّ هَذَا أَخِي} [ص: ٢٣] أَيْ عَلَى دِينِي وَطَرِيقَتِي، {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: ٢٣] يَعْنِي امْرَأَةً، {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: ٢٣] أَيِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْعَرَبُ تُكَنِّي بالنعجة من الْمَرْأَةِ، قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هَذَا تَعْرِيضٌ لِلتَّنْبِيهِ وَالتَّفْهِيمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نِعَاجٌ وَلَا بَغْيٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا أَوِ اشْتَرَى بَكْرٌ دَارًا، وَلَا ضَرْبَ هُنَالِكَ وَلَا شِرَاءَ {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} [ص: ٢٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْطِنِيهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: انْزِلْ لِي عَنْهَا. وَحَقِيقَتُهُ ضُمَّهَا إِلَيَّ فَاجْعَلْنِي كَافِلَهَا، وَهُوَ الَّذِي يَعُولُهَا وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا وَالْمَعْنَى: طلقها لأتزوجها، {وَعَزَّنِي} [ص: ٢٣] وغلبني، {فِي الْخِطَابِ} [ص: ٢٣] أَيْ فِي الْقَوْلِ. وَقِيلَ: قَهَرَنِي لقوة ملكه. وقال الضَّحَّاكُ: يَقُولُ إِنْ تَكَلَّمَ كَانَ أَفْصَحَ مِنِّي وَإِنْ حَارَبَ كَانَ أَبْطَشَ مِنِّي، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْغَلَبَةَ كَانَتْ لَهُ لِضَعْفِي فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعِي وَهَذَا كُلُّهُ تَمْثِيلٌ لِأَمْرِ دَاوُدَ مَعَ أُورِيَّا زَوْجِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا دَاوُدُ حَيْثُ كَانَ لِدَاوُدَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً وَلِأُورِيَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَضَمَّهَا إِلَى نِسَائِهِ.
[٢٤] {قَالَ} [ص: ٢٤] أي قَالَ دَاوُدُ، {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص: ٢٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute