تَقُولُ: جَعَلْتُ زَيْدًا أَفْضَلَ النَّاسِ، أَيْ وَصَفْتُهُ وَحَكَمْتُ بِهِ {إِنَّ الْإِنْسَانَ} [الزخرف: ١٥] يعني الكافر، {لَكَفُورٌ} [الزخرف: ١٥] جحود لنعم الله، {مُبِينٌ} [الزخرف: ١٥] ظَاهِرُ الْكُفْرَانِ.
[١٦] {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} [الزخرف: ١٦] هَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ وَإِنْكَارٍ، يَقُولُ: اتَّخَذَ رَبُّكُمْ لِنَفْسِهِ الْبَنَاتِ، {وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} [الزخرف: ١٦] كقوله: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا} [الْإِسْرَاءِ: ٤٠]
[١٧] {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا} [الزخرف: ١٧] بما جعل الله شَبَهًا وَذَلِكَ أَنَّ وَلَدَ كُلِّ شَيْءٍ يُشْبِهُهُ، يَعْنِي إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْبَنَاتِ كَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى} [النحل: ٥٨] {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [الزخرف: ١٧] من الغيظ والحزن.
[١٨] {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ} [الزخرف: ١٨] قرأ حمزة والكسائي يُنَشَّأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ، أَيْ يُرَبَّى، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ، أَيْ يَنْبُتُ وَيَكْبُرُ، {فِي الْحِلْيَةِ} [الزخرف: ١٨] فِي الزِّينَةِ يَعْنِي النِّسَاءَ، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: ١٨] فِي الْمُخَاصَمَةِ غَيْرُ مُبِينٍ لِلْحُجَّةِ مِنْ ضَعْفِهِنَّ وَسَفَهِهِنَّ، قَالَ قَتَادَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَلَّمَا تَتَكَلَّمُ امرأة تريد أَنْ تَتَكَلَّمَ بِحُجَّتِهَا إِلَّا تَكَلَّمَتْ بالحجة عليها، (أومن) ، في مَحَلِّ مَنْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالنَّصْبُ عَلَى الْإِضْمَارِ، مَجَازُهُ: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ يَجْعَلُونَهُ بَنَاتِ اللَّهِ، وَالْخَفْضُ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: (مِمَّا يَخْلُقُ) ، وَقَوْلِهِ: (بِمَا ضَرَبَ) .
[١٩] {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزُّخْرُفِ: ١٩] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَبُو عَمْرٍو {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} [الزخرف: ١٩] بِالْبَاءِ وَالْأَلِفِ بَعْدَهَا وَرَفْعِ الدَّالِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٦] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: (عِنْدَ الرَّحْمَنِ) بِالنُّونِ وَنَصْبِ الدَّالِ عَلَى الظَّرْفِ وتصديقه كقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الْأَعْرَافِ: ٢٠٦] الْآيَةَ، {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف: ١٩] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا لم يسم فاعله، ولينوا الهمزة الثانية بعد الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ أَحَضَرُوا خَلْقَهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ أَحَضَرُوا خَلْقَهُمْ حِينَ خُلِقُوا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} [الصافات: ١٥٠] {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} [الزخرف: ١٩] عَلَى الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، {وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: ١٩] عَنْهَا، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: لَمَّا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ما يدريكم أنهم بنات الله؟ قَالُوا: سَمِعْنَا مِنْ آبَائِنَا وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْذِبُوا "، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: ١٩] » ، عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ.
[٢٠] {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزُّخْرُفِ: ٢٠] يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ والكلبي، وقال مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْأَوْثَانَ وَإِنَّمَا لَمْ يُعَجِّلْ عُقُوبَتَنَا عَلَى عِبَادَتِنَا إِيَّاهَا لرضاه منها بِعِبَادَتِهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: ٢٠] فِيمَا يَقُولُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute