(٥٣) سورة النجم [١] {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: ١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ وَالْعَوْفِيِّ -: يَعْنِي الثُّرَيَّا إِذَا سقطت وغابت، وهويه مغيبه، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ نُجُومُ السَّمَاءِ كُلُّهَا حِينَ تَغْرُبُ، لَفْظُهُ وَاحِدٌ وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ؟ سُمِّيَ الْكَوْكَبُ نَجْمًا لِطُلُوعِهِ، وَكُلُّ طَالِعٍ نَجْمٌ يُقَالُ: نَجَمَ السِّنُّ وَالْقَرْنُ وَالنَّبْتُ إِذَا طلع.
عن ابن عباس: ما ترمى بها الشياطين عند استراقهم السمع، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ الْقُرْآنُ سَمِّيَ نَجْمًا؛ لِأَنَّهُ نُزِّلَ نُجُومًا مُتَفَرِّقَةً فِي عِشْرِينَ سَنَةً، وَسُمِّي التَّفْرِيقُ: تنجيما، والمفرق: منجما، والهوى: النُّزُولُ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ.
[٢، ٣] وَجَوَابُ الْقَسَمِ قَوْلُهُ: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [النجم: ٢] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، {وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٢ - ٣] يعني بِالْهَوَى يُرِيدُ لَا يَتَكَلَّمُ بِالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.
[٤] {إِنْ هُوَ} [النجم: ٤] مَا نُطْقُهُ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ: القرآن، {إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] يعني وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ يُوحَى إِلَيْهِ.
[٥] {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: ٥] وهو جِبْرِيلُ، وَالْقُوَى جَمْعُ الْقُوَّةِ.
[٦] {ذُو مِرَّةٍ} [النجم: ٦] قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ فِي خَلْقِهِ، يَعْنِي جِبْرِيلَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُو مِرَّةٍ يَعْنِي ذُو مَنْظَرٍ حَسَنٍ.
وقال قتادة: ذُو خَلْقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ.
{فَاسْتَوَى} [النجم: ٦] يعني جبريل.
[٧] {وَهُوَ} [النجم: ٧] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَمَعْنَى الْآيَةِ: اسْتَوَى جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، {بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم: ٧] وَهُوَ أَقْصَى الدُّنْيَا عِنْدَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: فَاسْتَوَى يَعْنِي جِبْرِيلَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ جِبْرِيلَ أَيْضًا، أَيْ قَامَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: ٨]
[٨، ٩] قوله عز وجل: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: ٩] اختلفوا في معناه، فقيل: جبريل فَمَعْنَى الْآيَةِ: ثُمَّ دَنَا جِبْرِيلُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ، فَتَدَلَّى فَنَزَلَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، بل أدنى، وقال آخرون: ثم دنا الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَدَلَّى، فَقَرُبَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: دَنَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: دَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَبِّهِ فَتَدَلَّى فَأَهْوَى لِلسُّجُودِ، فَكَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: قَابَ قَوْسَيْنِ أَيْ قدر قوسين، والقاب والقيب، والقاد والقيد عبارة عن المقدار، والقوس: ما يرمى به، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ جِبْرِيلَ وبين مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدار قوسين.
[١٠] {فَأَوْحَى} [النجم: ١٠] أَيْ أَوْحَى اللَّهُ، {إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: ١٠] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ابن عباس، مَعْنَاهُ أَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَوْحَى إِلَيْهِ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضُّحَى: ٦] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشَّرْحِ: ٤] وَقِيلَ: أَوْحَى إِلَيْهِ إِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أَنْتَ، وَعَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتُكَ.
[١١] {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَا كَذَّبَ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ، أَيْ: مَا كَذَّبَ قَلَبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى بِعَيْنِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، بَلْ صَدَّقَهُ وَحَقَّقَهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَأَى، بَلْ صَدَقَهُ، يُقَالُ: كَذَبَهُ إِذَا قَالَ لَهُ الكذب، وصدقه إذا قال له الصدق، مَجَازُهُ: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ فِيمَا رَأَى، وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي رَآهُ، فقال قوم: رأى جبريل، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَ بَصَرَهُ في فؤاده فرأى بِفُؤَادِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بعينه.