للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ كَيْ لَا يَسْمَعَ إِلَهُ مُحَمَّدٍ.

[١٤] فَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ -: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: ١٤] أَلَّا يَعْلَمُ مَا فِي الصُّدُورِ مَنْ خَلَقَهَا، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤] لَطِيفٌ عِلْمُهُ فِي الْقُلُوبِ، الْخَبِيرُ بما فيها من السر وَالْوَسْوَسَةِ. وَقِيلَ: (مَنْ) يَرْجِعُ إِلَى الْمَخْلُوقِ، أَيْ أَلَّا يَعْلَمَ اللَّهُ مَخْلُوقَهُ.

[١٥] {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} [الملك: ١٥] سَهْلًا لَا يَمْتَنِعُ الْمَشْيُ فِيهَا بالحزونة، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: ١٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: فِي جِبَالِهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فِي آكَامِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي طُرُقِهَا وَفِجَاجِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: فِي سُبُلِهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي أَطْرَافِهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِي نَوَاحِيهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي جَوَانِبِهَا. وَالْأَصْلُ فِي الْكَلِمَةِ الْجَانِبُ {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: ١٥] مِمَّا خَلَقَهُ رِزْقًا لَكُمْ فِي الأرض، {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: ١٥] أَيْ: وَإِلَيْهِ تُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ.

[١٦] ثُمَّ خَوَّفَ الْكُفَّارَ فَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ عَذَابٌ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ، {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: ١٦] قَالَ الْحَسَنُ: تَتَحَرَّكُ بِأَهْلِهَا. وَقِيلَ: تَهْوِي بِهِمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُحَرِّكُ الْأَرْضَ عِنْدَ الْخَسْفِ بِهِمْ حَتَّى تُلْقِيَهُمْ إِلَى أَسْفَلَ، تَعْلُو عَلَيْهِمْ وَتَمُرُّ فَوْقَهُمْ. يُقَالُ: مار يمور إذا جَاءَ وَذَهَبَ.

[١٧] {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: ١٧] رِيحًا ذَاتَ حِجَارَةٍ كَمَا فَعَلَ بقوم لوط. {فَسَتَعْلَمُونَ} [الملك: ١٧] فِي الْآخِرَةِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ، {كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: ١٧] أَيْ إِنْذَارِي إِذَا عَايَنْتُمُ الْعَذَابَ.

[١٨] {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الملك: ١٨] يَعْنِي كُفَّارَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الملك: ١٨] أَيْ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ.

[١٩] {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} [الملك: ١٩] تَصُفُّ أَجْنِحَتَهَا فِي الْهَوَاءِ، {وَيَقْبِضْنَ} [الملك: ١٩] أجنحتهن بعد البسط {مَا يُمْسِكُهُنَّ} [الملك: ١٩] فِي حَالِ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ أَنْ يَسْقُطْنَ، {إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [الملك: ١٩]

[٢٠] {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} [الملك: ٢٠] اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَنَعَةٌ لَكُمْ، {يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} [الملك: ٢٠] يَمْنَعُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ وَيَدْفَعُ عَنْكُمْ مَا أَرَادَ بِكُمْ. {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك: ٢٠] أَيْ فِي غُرُورٍ مِنَ الشَّيْطَانِ يَغُرُّهُمْ بِأَنَّ الْعَذَابَ لَا يَنْزِلُ بِهِمْ.

[٢١] {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك: ٢١] أَيْ مِنَ الَّذِي يَرْزُقُكُمُ الْمَطَرَ إِنْ أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْكُمْ، {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ} [الملك: ٢١] تمادوا في الضلال، {وَنُفُورٍ} [الملك: ٢١] تباعد من الحق.

[٢٢] ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا فَقَالَ: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} [الملك: ٢٢] رَاكِبًا رَأْسَهُ فِي الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ أعمى العين والقلب لَا يُبْصِرُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وهو الكافر. قال قتادة: راكبا عَلَى الْمَعَاصِي فِي الدُّنْيَا فَحَشَرَهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} [الملك: ٢٢] مُعْتَدِلًا يُبْصِرُ الطَّرِيقَ وَهُوَ، {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك: ٢٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>