للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا حِرْزَ وَلَا مَلْجَأَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا جَبَلَ وَكَانُوا إِذَا فَزِعُوا لَجَئُوا إِلَى الْجَبَلِ فَتُحَصَّنُوا به. وقال - تَعَالَى -: لَا جَبَلَ يَوْمَئِذٍ يَمْنَعُهُمْ.

[١٢] {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة: ١٢] أَيْ مُسْتَقَرُّ الْخَلْقِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الْمَصِيرُ وَالْمَرْجِعُ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -. {إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [الْعَلَقِ: ٨] {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: ٢٨] وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمُنْتَهَى نَظِيرُهُ: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النَّجْمِ: ٤٢]

[١٣] {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: ١٣] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: بما قدم قبل الموت مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ وَسَيِّئٍ، وَمَا أَخَّرَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُ بِهَا. وَقَالَ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِمَا قَدَّمَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَأَخَّرَ مِنَ الطَّاعَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بِمَا قَدَّمَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَأَخَّرَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فَضَيَّعَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِأَوَّلِ عَمَلِهِ وَآخِرِهِ. وَقَالَ عطاء: قَدَّمَ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ وَمَا أَخَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بِمَا قَدَّمَ مِنْ أَمْوَالِهِ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَّرَ خَلْفَهُ لِلْوَرَثَةِ.

[١٤] {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: ١٤] قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ رُقَبَاءُ يَرْقُبُونَهُ وَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ، وَهِيَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَجَوَارِحُهُ، وَدَخَلَ الْهَاءُ فِي الْبَصِيرَةِ لِأَنَّ المراد بالإنسان هنا جَوَارِحُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، يَعْنِي لِجَوَارِحِهِ، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: ٢٣٣] أَيْ لِأَوْلَادِكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِاسْمٍ مُؤَنَّثٍ، أَيْ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ عَيْنٌ بَصِيرَةٌ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ شَاهَدٌ وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْهَاءُ فِي بَصِيرَةٍ لِلْمُبَالِغَةِ، دَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاءِ: ١٤]

[١٥] {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: ١٥] يَعْنِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ وَلَوِ اعْتَذَرَ وَجَادَلَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ ينفعه، كما قال {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} [غَافِرٍ: ٥٢] وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَوِ اعْتَذَرَ فَعَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ يُكَذِّبُ عُذْرَهُ، وَمَعْنَى الْإِلْقَاءِ: الْقَوْلُ كَمَا قَالَ: {فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} [النَّحْلِ: ٨٦] وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: ١٥] يَعْنِي وَلَوْ أَرْخَى السُّتُورَ وَأَغْلَقَ الْأَبْوَابَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ السِّتْرَ مِعْذَارًا وَجَمْعُهُ مَعَاذِيرُ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: وَإِنْ أَسْبَلَ السِّتْرَ ليخفي ما كان يَعْمَلُ فَإِنَّ نَفْسَهُ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ.

[١٦] وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: ١٦] «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - إذ نزل جبريل بالوحي كان يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفَ مِنْهُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عز وجل- هذه الآية (١)


(١) أخرجه البخاري في التفسير (٨ / ٦٨٢) ، ومسلم في الصلاة رقم (٤٤٨) (١ / ٢٣٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>