= قلت: هشام بن سعد تقدم في حديث الباب أنه صدوق وقد خالف من هو أوثق منه لذا فحديثه شاذ.
وأما حديث أنس رضي الله عنه قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقبل إلى الشام فاستقبله أبو طلحة، وأبو عبيدة بن الجراح فقالا: يا أمير المؤمنين إن معك وجوه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخيارهم وإنا تركنا من بعدنا مثل حريق النار فأرجع العام، يعني: فرجع عمر فلما كان العام المقبل، جاء فدخل يعني الطاعون.
فأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٣٠٣) وإسناده صحيح.
تنبيه: يتبادر إلى الذهن أن في حديث أنس معارضة لحديث ابن عباس ففي الأخير مراجعة أبي عبيدة لعمر وعدم رغبته في الرجوع، وفي الأول خلاف ذلك، ولرفع هذا الأشكال أنقل ما قاله الحافظ ابن حجر في "بذل الماعون في فضل الطاعون"(ص ٢٤٦) قال: ويمكن الجمع بان يكون أبو عبيدة أشار أولًا بالرجوع، ثم غلب عليه مقام التوكل، لما رأى الكثير من المهاجرين والأنصار جنحوا إليه، فرجع عن رأي الرجوع، فناظر عمر في ذلك، فلما أقام عليه الحجة تبعه، ثم جاء عبد الرحمن بن عوف بالنص فرجعوا أجمعين.
قلت: كذلك قد يتبادر إلى الذهن أن في رواية عبد الله بن عامر مخالفة لرواية ابن عباس وليس كذلك قال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون (ص ٢٤٧) وما بعدها: دلت رواية عبد الله بن عامر على أن عمر كان رجح عنده الرجوع، لما قال للناس: إني مصبح، لكن لم يحزم بذلك، فلما أخبره عبد الرحمن بن عوف مما وافق اجتهاده، حمد الله على ذلك أي لولا ما أخبره به عبد الرحمن بن عوف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لاستمر مترددًا في الرجوع وعدمه، فلذلك نُسب سبب رجوعه إلى حديث عبد الرحمن بن عوف؛ لأنه العمدة في ذلك، وإن كان الاجتهاد قد سبق على وقفه، وهذا مما ينبغي أن يضاف إلى موافقات عمر رضي الله عنه. اهـ. بتصرف يسير فإذا علمنا أن رجوع عمر رضي الله عنه كان بعد مشورة الصحابة إبتداءً، ثم عزمه الرجوع بعد سماع النص، =