أَنَّ مُوسَى أَصْبَحَ بِمَدِينَةِ مِصْرَ خَائِفًا أَيْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقَتِيلَ الَّذِي رُفِعَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ مُوسَى فِي نُصْرَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَقْوَى ظُنُونُهُمْ أَنَّ مُوسَى مِنْهُمْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَصَارَ يَسِيرُ فِي الْمَدِينَةِ فِي صَبِيحَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ أَيْ ; يَتَلَفَّتُ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا ذَلِكَ الرَّجُلُ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ أَيْ ; يَصْرُخُ بِهِ، وَيَسْتَغِيثُهُ عَلَى آخَرَ قَدْ قَاتَلَهُ، فَعَنَّفَهُ مُوسَى وَلَامَهُ عَلَى كَثْرَةِ شَرِّهِ، وَمُخَاصَمَتِهِ، قَالَ لَهُ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِذَلِكَ الْقِبْطِيِّ، الَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لِمُوسَى وَلِلْإِسْرَائِيلِيِّ، فَيَرْدَعُهُ عَنْهُ وَيُخَلِّصُهُ مِنْهُ، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْقِبْطِيِّ {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [القصص: ١٩] . قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَى مَا كَانَ صَنَعَ مُوسَى بِالْأَمْسِ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى مُوسَى مُقْبِلًا إِلَى الْقِبْطِيِّ، اعْتَقَدَ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ لَمَّا عَنَّفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} [القصص: ١٨] فَقَالَ مَا قَالَ لِمُوسَى، وَأَظْهَرَ الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ وَقَعَ بِالْأَمْسِ، فَذَهَبَ الْقِبْطِيُّ فَاسْتَعْدَى فِرْعَوْنَ عَلَى مُوسَى. وَهَذَا الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ سِوَاهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَائِلَ هَذَا هُوَ الْقِبْطِيُّ، وَأَنَّهُ لَمَّا رَآهُ مُقْبِلًا إِلَيْهِ خَافَهُ ; وَرَأَى مِنْ سَجِيَّتِهِ انْتِصَارًا جَيِّدًا لِلْإِسْرَائِيلِيِّ، فَقَالَ مَا قَالَ مِنْ بَابِ الظَّنِّ وَالْفِرَاسَةِ، أَنَّ هَذَا لَعَلَّهُ قَاتِلُ ذَاكَ الْقَتِيلِ بِالْأَمْسِ، أَوْ لَعَلَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْإِسْرَائِيلِيِّ، حِينَ اسْتَصْرَخَهُ عَلَيْهِ، مَا دَلَّهُ عَلَى هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ فِرْعَوْنَ بَلَغَهُ أَنَّ مُوسَى هُوَ قَاتِلُ ذَلِكَ الْمَقْتُولِ بِالْأَمْسِ، فَأَرْسَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute