فِي قَوْمِهِ وَمَنْ أَطَاعَهُ، فَسَارَ إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ دَخَلَ بِلَادَ الرُّومِ، وَدَخَلَ عَلَى هِرَقْلَ فِي مَدِينَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَرَحَّبَ بِهِ هِرَقْلُ وَأَقْطَعَهُ بِلَادًا كَثِيرَةً، وَأَجْرَى عَلَيْهِ أَرْزَاقًا جَزِيلَةً، وَأَهْدَى إِلَيْهِ هَدَايَا جَمِيلَةً، وَجَعَلَهُ مِنْ سُمَّارِهِ، فَمَكَثَ عِنْدَهُ دَهْرًا ; ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ كَتَبَ كِتَابًا إِلَى هِرَقْلَ مَعَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: جَثَّامَةُ بْنُ مُسَاحِقٍ الْكِنَانِيُّ. فَلَمَّا بَلَغَ هِرَقْلَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ هِرَقْلُ: هَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّكَ جَبَلَةَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَالْقَهُ. فَذَكَرَ اجْتِمَاعَهُ بِهِ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالسُّرُورِ وَالْحُبُورِ الدُّنْيَوِيِّ، فِي لِبَاسِهِ وَفَرْشِهِ وَمَجْلِسِهِ وَطِيبِهِ، وَجَوَارِيهِ حَوَالَيْهِ الْحِسَانِ مِنَ الْخَدَمِ وَالْقِيَانِ، وَمَطْعَمِهِ وَشَرَابِهِ وَسُرُرِهِ وَدَارِهِ الَّتِي تَعَوَّضَ بِهَا عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْعَوْدِ إِلَى الشَّامِ فَقَالَ: أَبْعَدَ مَا كَانَ مِنِّي مِنَ الِارْتِدَادِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ ارْتَدَّ وَقَاتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ إِلَى الْحَقِّ قَبِلُوهُ مِنْهُ، وَزَوَّجَهُ الصِّدِّيقُ بِأُخْتِهِ أُمِّ فَرْوَةَ. قَالَ: فَالْتَهَى عَنْهُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْخَمْرَ فَأَبَى عَلَيْهِ، وَشَرِبَ جَبَلَةُ مِنَ الْخَمْرِ شَيْئًا كَثِيرًا حَتَّى سَكِرَ، ثُمَّ أَمَرَ جَوَارِيَهُ الْقِيَانَ، فَغَنَّيْنَهُ بِالْعِيدَانِ مِنْ قَوْلِ حَسَّانَ، يَمْدَحُ بَنِي عَمِّهِ مِنْ غَسَّانَ، وَالشِّعْرُ فِي وَالِدِ جَبَلَةَ هَذَا الْحَيَوَانِ.
لِلَّهِ دَرُّ عِصَابَةٍ نَادَمْتُهُمْ ... يَوْمًا بِجِلَّقَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ
أَوْلَادِ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبِيهُمُ ... قَبْرِ ابْنِ مَارِيَةَ الْكَرِيمِ الْمُفْضِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute