للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن أخذَ شيئًا فهو له»، فكان ذلك من قَبِيلِ المباحات؛ ولأن العمل أحدُ جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال، وقال أبو حنيفة: يصح في الصناعة، ولا يصح في اكتساب المباح كالإحتشاش والاغتنام؛ لأن الشركة مقتضاها الوكالة، ولا تصح الوكالة في هذه الأشياء؛ لأن من أخذها ملكها، وقال الشافعي: شركة الأبدان باطلة؛ لما روت عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» وهذا الشرط ليس في كتاب الله، فوجب أن يكون باطلًا؛ ولأنها شركة على غير مال، فلم تصح كما لو اختلفت الصناعات والذي تطمئن إليه النفس أنها جائزة؛ للحديث السابق الوارد عن ابن مسعود الدليل للقول الأول. والله سبحانه أعلم.

النوع الثاني أن يشتركا فيما يتقبلان في ذممهما من عمل كحدادة وقصارة وخياطة، ولو قال أحدهما: أنا أتقبل، وأنت تعمل، والأجرة بيننا، صح؛ لأن تقبل العمل يوجب الضمان على المتقبل ويستحق به الربح، فصار كتقبل المال في المضاربة والعمل يستحق به العامل الربح، كعمل المضارب فينزل منزلة المضاربة ويطالبان بم يتقبله أحدهما من عمل، وبعد تقبُّل أحدهما لا فسخ للآخر ويلزمهما عملُ ما تقبَّله أحدهما؛ لأن مبناها على الضمان، فكأنها تضمَّنَتْ ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه، ولكل من الشريكين طلبُ أجرة عمل ولو تقبله الآخر، ويبرأ مستأجر بدفع الأجرة لأحدهما وتلف الأجرة بلا تفريط بيد أحدهما علهما جميعًا؛ لأن كلا وكيل الآخر في قبضها والطلب بها، وإقرار أحدهما بما في يده يُقبل عليهما؛ لأن اليد له، فقبل إقراره بما فيها بخلاف ما في يد شريكه أو دين على شريكه؛ لأنه لا يدَ له عليه، والحاصل من مباح تملكاه أو أحدهما أو مِن أجرة عمل تقبلاه أو أحدُهما كما شرطا عند العقد من تساوٍ أو تفاضل؛ لأن الربح يستحق بالعمل، ويجوز تفاضلهما

<<  <  ج: ص:  >  >>