للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيما أرى أن القائل أن الكفار لا يقاتلون إلا دفاعًا فقط ما يخلو من أمرين: إما أن تكون من أعداء المسلمين قصده تثبيطهم عن الجهاد على ما هم عليه من الوهن والكسل؛ وإما أن يكون جاهلاً بنصوص الكتاب والسُّنة، وغزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وفتوحاتهم، وغليك أدلة أخرى ليقنع بها من لم يقنع بما سبق من الأدلة الدالة على أنه يجب قتالهم ابتداء.

فعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر بعث جيوشًا إلى الشام، فخرج يشيعهم، فمشى مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فقال يزيد لأبي بكر: إما أن تركب، وإما أن أنزل، فقال له: ما أنت بنازل، ولا أنا براكب، إني أحتسب خطاي في سبيل الله، ثم قال: إنك ستجد قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فدعهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قومًا فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، فإني موصيك بعشر: لا تقتل امرأة ولا صبيًا … إلخ، رواه مالك.

وعن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين فأسلم الهرمزان، قال: إني مستشيرك في مغازيّ هذه، قال: نعم، مثلها ومثل من فيها من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وجناحان، وله رجلان؛ فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان والرأس؛ فإن شدخ ذهبت الرجلان والجناحان، قال: فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين أن ينفروا إلى كسرى.

قال جبير بن حية: فندبنا عمر، واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا كسرى في أربعين ألفًا، فقام ترجمان، فقال: ليكلمني رجل منكم.

فقال المغيرة: سل عما شئت، فقال: ما أنتم؟ قال: نحن ناس من العرب كنا في شقاء شديد، وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر

<<  <  ج: ص:  >  >>