للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}.

هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حرامًا بالإجماع وبنص هذه الآية. وكلام العلماء في المنع من الإقامة عند المشركين، وتحريم مجامعتهم ووجوب مباينتهم كثير معروف، خصوصًا في كتب أئمة الدعوة، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب وأولاده.

ولا تجب الهجرة عن أهل المعاصي؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده» الحديث، والعمل عليه عند أهل العلم.

وهجران أهل المعاصي، كما قال شيخ الإسلام في (ج ٢٧) من «مجموع الفتاوى»: الهجر الشرعي نوعان:

أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات.

والثاني: بمعنى العقوبة عليها؛ فالأول هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}، {إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ} فهذا يُراد به أن لا يشهد المنكرات لغير حاجة، وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه».

ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان؛ فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.

النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من ظهر المنكرات حتى يتوب منها، كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون، الثلاثة الذين خلفوا

<<  <  ج: ص:  >  >>