للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألف قومًا ويهجر آخرين.

وإذا اجتمع بالرجل خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسُّنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب، بقدر ما استحق من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب، بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السُّنة والجماعة، انتهى (ص ٢٠٣، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢٠٦، ٢٠٩) ملخصًا.

وتُسن الهجرة لقادر على إظهار دينه بنحو دار الكفر، ليتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ويتمكن من جهادهم وإعانة المسلمين ويكثرهم؛ لما ورد عن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه أحمد وأبو داود.

وعن عبد الله بن السعدي - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو» رواه أحمد والنسائي. وعنه - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد» رواه سعيد وغيره، مع إطلاق الآيات والأخبار، وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان؛ وأما حديث: «لا هجرة بعد الفتح» يعني من مكة إلى المدينة، وكل بلد فتح لا تبقى منه هجرة؛ إنما الهجرة إليه؛ لأن الهجرة الخروج من بلد الكفر، فإذا فتح لم يبق بلد كفار، فلا تبقى من هجرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>