كانوا يرتدون إِذا فارقهم العسكر، وكان مقام الولاة بزويلة وبرقة، فرأى عقبة أن يتخذ مدينة بتلك البلاد، تكون مقراً للعسكر، واختار موضع القيروان، وكان دخلة مشتبكة فقطع أشجارها وبناها مدينة، وهي مدينة القيروان.
وفيها أعني في سنة خمسين، توفي دحية الكلبي، وهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة، منسوب إِلى كلب بن وبرة، أسلم قديماً، ولم يشهد بدراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أشبه من رأيت بجبريل، دحية الكلبي ".
ثم دخلت سنة إِحدى وخمسين، فيها توفي سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود له بالجنة، رضي الله عنهم.
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وسنة ثلاث وخمسين. فيها هلك زياد ابن أبيه، في رمضان، من أكلةِ في إِصبعه وكان مولده عام الهجرة.
ثم دخلت سنة أربع وخمسين وسنة خمس وخمسين وسنة ست وخمسين وفيها ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان، خراسان، فقطع نهر جيحون إلى سمرقند، والصغدِ، وهزم الكفار، وسار إلى ترمذ ففتحها صلحاً.
وممن قتل معه في هذه الغزوة قثم بن العباس، ودفن بسمرقند، ومات أخوه عبد الله بن العباس بالطائف، والفضل بالشام، ومعبد بإِفريقية، فيقال: لم ير قبور أخوة أبعد من قبور هؤلاء الأخوة بني العباس.
وفي هذه السنة بايع معاوية الناس لابنه يزيد بولاية العهد بعده، وبايعه أهل الشام والعراق، وكان المتولي على المدينة من جهة معاوية، مروان بن الحكم، فأراد البيعة له، فامتنع من ذلك الحسين، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، وامتنع الناس لامتناعهم، وآخر الأمر أن معاوية قدم بنفسه إِلى الحجاز، ومعه ألف فارس، وتحدث مع عائشة في أمرهم، وآخر الأمر، أنه بايع ليزيد أهل الحجاز، وتأخر المذكورون عن البيعة.
ويروى أنّ معاوية قال لابنه يزيد: إِني مهدت لك الأمور، ولم يبق أحد لم يبايعك غير هؤلاء الأربعة، فأمّا عبد الرحمن، فرجل كبير، تهابه اليوم وغداً، وأما ابن عمر، فرجل قد غلب عليه الورع، وأمّا الحسين فله قرابة، فإِن ظفرت به، فاصفح عنه، وأما ابن الزبير، فإِن ظفرت به، فقطعه إرْباً إِرْباً.
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وسنة ثمان وخمسين فيها توفيت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها.
وفيها، توفي أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر.
ثم دخلت سنة تسع وخمسين، فيها توفي سعيد بن العاص بن أمية، ولد عام الهجرة، وقتل أبوه العاص يوم بدر كافراً، وكان سعيد من أجواد بني أمية. وفي هذه السنة أعني سنة تسع وخمسين مات الحطيئة، واسمه جرول بن مالك، لقب الحطيئة لقصره، أسلم ثم ارتد، ثم أسلم، وقال عند موت النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد العرب:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيورثها بكراً إِذا مات بعده ... وتلك لعمر الله قاصمة الظهر