للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها توفي أبو هريرة، واختلف في اسمه ونسبه، وهو ممن لازم خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه الكثير، فاتهمه بعض الناس لكثرة ما رواه من الأحاديث، والأكثر يصححون روايته ولا يشكون فيها.

ثم دخلت سنة ستين وفاة معاوية وفيها في رجب توفي معاوية بن أبي سفيان، وكانت مدة خلافته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وسبعة وعشرين يوماً، منذ اجتمع له الأمر، وبايعه الحسن بن علي، وكان عمره خمساً وسبعين، وقيل سبعين، وقيل غير ذلك، وأنشد معاوية وقد تجلد للعائدين:

وتجلدي للشامتين أريهُم ... أني لريبِ الدهرِ لا تضَعْضَع

وإذا المنيّةُ أنضبتْ أظفارها ... ألفيت كلّ تميمةٍ لا تنفعُ

ولما توفي معاوية، خرج الضحاك بن قيس حتى أتى المنبر، فصعده ومعه أكفان معاوية فأثنى على معاوية، وأعلم الناس بموته، وأنّ هذه أكفانه، ثم صلى عليه الضحاك، وكان يزيد غائباً بقرية حوارين من عمل حمص، فكتبوا إِليه وطلبوه، فحضر بعد دفن أبيه فصلى على قبره.

أخبار معاوية أسلم معاوية مع أبيه عام الفتح، واستكتبه النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله عمر على الشام أربع سنين من خلافته، وأقره عثمان مدة خلافته، نحو اثنتي عشرة سنة، وتغلب على الشام محارباً لعلي أربع سنين، فكان أميراً وملكاً على الشام نحو أربعين سنة، وكان حليماً حازماً داهية، عالماً بسياسة الملك، وكان حلمه قاهراً لغضبه، وجوده غالباً على منعه، يصل ولا يقطع.

ومما يحكى عن حلمه من تاريخ القاضي جمال الدين بن واصل، أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، دخلت على معاوية وهي عجوز كبيرة، فقال لها معاوية: مرحباً بك يا خالة، كيف أنت؟ فقالت بخير يا ابن أختي، لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، وكنا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاء، حتى قبض الله نبيه، مشكوراً سعيه، مرفوعاً منزلته، فوثبت علينا بعده تيم وعدي وأمية، فابتزونا حقنا، ووليتم علينا، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان علي بن أبي طالب بعد نبينا، بمنزلة هارون من موسى.

فقال لها عمرو بن العاص: كفي أيتها العجوز الضالة، واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك. فقالت: وأنت يا ابن النابغة، تتكلم وأمك كانت أشهر بغي بمكة، وأرخصهن أجرة، وادعاك خمسة من قريش، فسُئلتْ أمك عنهم فقالت: كلهم أتاني، فانظروا أشبههم به، فالحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائِل، فألحقوك به.

فقال لها معاوية: عفا الله عما سلف، هاتي حاجتك. فقالت: أريد ألفي دينار، لأشتري بها عيناً فوارة، في أرض خرارة، تكون الفقراء بني الحارث بن عبد المطلب: وألفي دينار أخرى، أزوّج بها فقراء بني الحارث،

<<  <  ج: ص:  >  >>