بالكوفة، سجد شكراً لله تعالى، ولما قتل مروان، هرب ابناه عبد الله وعبيد الله إِلى أرض الحبشة، فقاتلتهم الحبشة، فقتل عبيد الله، ونجا عبد الله في عدّة ممن معه، وبقي إلى خلافة المهدي، فأخذه نصر بن محمد بن الأشعث عامل فلسطين، فبعث به إِلى المهدي، ولما قتل مروان حُملت نساؤه وبناته إِلى بين يدي صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، فأمر بحملهن إلى حران، فلما دخلنها ورأين منازل مروان، رفعن أصواتهن بالبكاء، وكان عمر مروان لما قتل، اثنتين وستين سنة، وكانت مدة خلافته خمس سنين وعشرة أشهر ونصفاً، وكان يكنى أبا عبد الملك وكانت أمه أم ولد كردية، وكان يلقب بالحمار، وبالجعدي، لأنه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه، في القول بخلق القرآن، والقدر، وكان مروان بن محمد، الحكمٍ المذكور، أبيض أشهل، ضخم الهامة، كث اللحية أبيضها، ربعة، وكان شجاعاً، حازماً، إلا أن مدته انقضت، فلم ينفعه حزمه وهو آخر الخلفاء من بني أمية.
من قتل من بني أمية
كان سليمان بن هشام بن عبد الملك، قد أمنه السفاح وأكرمه، فدخل سديف على السفاح وأنشده:
لا يغرنك ما ترى من رجال ... إِنّ تحت الضلوع داء دويا
فضع السيفَ وارفع السوطَ حتّى ... لا ترىَ فوق ظهرها أمويا
فأمر السفاح بقتل سليمان، فقتل، وكان قد اجتمع عند عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، عدة من بني أمية، نحو تسعين رجلاً، فلما اجتمعوا عند حضور الطعام، دخل شبل بن عبد الله، مولى بني هاشم، على عبد الله بن علي عم السفاح المذكور وأنشده:
أصبحَ الملك ثابتُ الأساسِ ... بالبهاليل من بني العباسِ
طلبوا وتر هاشم فشفوها ... بعد ميل من الزمان وياسِ
لا تقيلن عبد شمس عثاراً ... واقطعن كل رقلة وغرَاس
ذلها أظهر التودد منها ... وبها منكم كحد المواسي
ولقد ساءني وساء سوائي ... قربهم من نمارق وكراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الل ... هـ بدار الهوان والإتعاسِ
واذكروا مصرع الحسين وزيد ... وشهيد بجانبَ المهراس
والقتل الذي بحران أضحى ... ثاوياً بين غربة وتتاسِ
فأمر عبد الله بهم، فضربوا بالعمد حتى وقعوا، وبسط عليهم الأنطاع، ومد عليهم الطعام، وأكل الناس وهم يسمعون أنينهم حتى ماتوا جميعاً، وأمر عبد الله بنبش قبور بني أمية بدمشق، فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان، ونبش قبر يزيد ابنه، ونبش قبر عبد الملك بن مروان، ونبش قبر هشام بن عبد الملك، فوجد صحيحاً، فأمر بصلبه فصلب ثم أحرقه بالنار، وذراه، وتتبع