فجعلها على بغداد، وجعل المنصور بغداد مدوّرة، لئلا يكون بعض الناس أقرب إِلى السلطان من بعض، وبني قصره في وسطها، والجامع في جانب القصر.
ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائة: فيها خلع المنصور ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، من ولاية العهد، وبايع لابنه المهدي محمد بن المنصور.
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة: فيها ولد الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك، وفيها ولىّ المنصور خالد بن برمك الموصل، وكان مولد الفضل قبل مولد الرشيد بتسعة أيام، فأرضعته الخيزران أم الرشيد.
وفيها توفي جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وجعفر الصادق، أحد الأئمة الاثني عشر، على رأي الإمامية، فإِنه قد تقدم منهم علي بن أبي طالب، ثم ابنه الحسن، ثم الحسين، ثم زين العابدين، ثم الباقر، ثم جعفر الصادق المذكور، وسنذكر الباقين إِن شاء الله تعالى، وسمي جعفر بالصادق لصدقه، وله كلام في صنعة الكيمياء، والزجر، والفأل، وولد سنة ثمانين، وتوفي في هذه السنة. أعني سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة، ودفن بالبقيع، وأمّه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وفيها توفى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي.
ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائة: فيها مات مسلم بن قتيبة بالري، وكان مشهوراً، عظيم القدر، وفيها مات كهمش بن الحسن التميمي البصري. وفيها مات عيسى بن عمر الثقفي، وعنه أخذ الخليل النحو.
ثم دخلت سنة خمسين ومائة: فيها بنى عبد الرحمن الأموي سور قرطبة، وفيها مات جعفر بن أبي جعفر المنصور، وفيها مات الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ابن زوطا، مولى تيم الله بن ثعلبة، وكان زوطا من أهل كابل، وقيل من أهل بابل، وقيل من أهل الأنبار، وهو الذكي مسه الرق فأعتق، وولد له ثابت على الإسلام، وقال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة المذكور: ما وقع علينا رِق قط، وروى أن ثابتاً أبا أبي حنيفة وهو صغير، ذهب إِلى علي بن أبي طالب فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته. وقيل في نسب أبي حنيفة غير ذلك، فقيل: هو النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان، وأن جده النعمان بن المرزبان، أهدى إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يوم المهرجان فالوذجا، فقال له علي: مهرجونا في كل يوم، وأدرك أبو حنيفة أربعة من الصحابة، وهم أنس بن مالك، وعبد الله بن أُبي، أوفى بالكوفة، وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة، وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكة، ولم يلق أحداً منهم، ولا أخذ عنهم، وأصحابه يقولون: لقي جماعة من الصحابة وأخذ عنهم، ولم يثبت ذلك عند أهل النقل.
وكان أبو حنيفة عالماً عاملاً زاهداً ورعاً، راوده أبو جعفر المنصور في أن يلي القضاء فامتنع، وكان حسن الوجه، ربعة، وقيل طويلاً، أحسن الناس منطقاً.
قال الشافعي: قيل لمالك، هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: نعم، رأيت رجلاً، لو كلمته في هذه السارية أن يجعلها ذهباً، لقام بحجته، وكان يصلي غالب الليل، حتى قيل