فقصدوا بلاد الإسلام، وأخذوا مدينة برشلونة في سنة خمس وثمانين ومائة.
وفي هذه السنة أعني سنة ثمانين ومائة سار جعفر بن يحيى بن خالد إلى الشام، فسكّن الفتنة التي كانت بالشام، وفيها هدم الرشيد سور الموصل بسبب ما كان يقع من أهلها من العصيان في كل وقت.
وفيها أي سنة ثمانين ومائة وقيل سنة سبع وسبعين ومائة، توفي سيبويه النحوي بقرية يقال لها البيضاء من قرى شيراز، واسم سيبويه، عمرو بن عثمان بن قنبر، وكان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو، وجميع كتب الناس في النحو عيلة على كتاب ٧ واشتغل على الخليل بن أحمد، وكان عمره لما مات نيفاً وأربعين سنة، وقيل توفي بالبصرة سنة إِحدى وستين ومائة، وقيل سنة ثمان وثمانين ومائة، وقال أبو الفرج ابن الجوزي؛ توفي سيبويه في سنة أربع وتسعين ومائة، وعمره اثنتان وثلاثون سنة، وإنه توفي بمدينة ساوة، وذكر خطيب بغداد عن ابن دريد، أن سيبويه مات بشيراز وقبره بها، وكان سيبويه كثيراً ما ينشد:
إِذا بل من داء به ظن أنْه ... نجا وبه الداء الذي هو قاتله
وسيبويه لقبه، هو لفظ فارسي معناه بالعربية رائحة التفاح، وقيل إِنما لقب سيبويه لأنه كان جميل الصورة، ووجنتاه كأنهما تفاحتان، وجرى له مع الكسائي البحث المشهور في قولك: كنت أظن لسعة العقرب أشد من لسعة الزنبور. قال سيبويه: فإِذا هو هي، وقال الكسائي فإِذا هو إِياها، وانتصر الخليفة للكسائي فحمل سيبويه من ذلك هماً، وترك العراق وسافر إِلى جهة شيراز وتوفي هناك.
ثم دخلت سنة إِحدى وثمانين ومائة فيها غزا الرشيد أرض الروم فافتتح حصن الصفصاف وفيها توفي عبد الله بن المبارك المروزي، في رمضان، وعمره ثلاث وستون سنة.
وفيها توفي مروان بن أبي حفصة الشاعر، وكان مولده سنة خمس ومائة، وفيها توفي أبو يوسف القاضي، واسمه يعقوب بن إبراهيم من ولد سعد بن خيثمة، وسعد المذكور صحابي من الأنصار وهو سعد بن بجير واشتهر باسم أمه خيثمة، وأبو يوسف المذكور هو أكبر أصحاب أبي حنيفة.
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائة: فيها مات جعفر الطيالسي المحدث.
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة فيها توفي موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ببغداد في حبس الرشيد، وحبسه عند السندي بن شاهك، وتولى خدمته في الحبس أخت السندي، وحكت عن موسى المذكور أنه كان إِذا صلى العتمة، حمد الله ومجده ودعاه إِلى أن يزول الليل، ثم يقوم يصلي حتى يطلع الصبح، فيصلي الصلح ثم يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إِلى ارتفاع الضحى، ثم يرقد
ويستيقظ قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر، ثم يذكر الله تعالى حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة، فكان هذا دأبه إِلى أن مات رحمة الله عليه، وكان يلقب الكاظم: لأنه كان يحسن إِلى من