للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبغض لأئمة الهدي، والحب لشجرة اللعنة بني أمية، ولولا ذلك ما فارقت بغداد.

وفي هذه السنة مات محمد بن الحسن الشيباني الفقيه صاحب أبي حنيفة، وكان والده الحسن من أهل قرية حرستا، من غوطة دمشق، فسار إِلى العراق وأقام بواسط، فولد ولده محمد بن الحسن المذكور، ونشأ بالكوفة، ثم صحب أبا حنيفة وتفقه على أبي يوسف، وصنف عدة كتب مثل: الجامع الكبير، والجامع الصغير، في فقه أبي حنيفة وغير ذلك.

ثم دخلت سنة تسعين ومائة في هذه السنة سار الرشيد في مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفاً من المرتزقة سوى من لا ديوان له من الأتباع والمتطوعة، حتى نزل على هرقلة وحصرها ثلاثين يوماً، ثم فتحها في شوال من هذه السنة، وسبى أهلها، وبث عساكره في بلاد الروم، ففتحوا الصفصاف وملقونية وخربوا ونهبوا وبعث تقفور بالجزية عن رعيته وعن رأسه أيضاً، ورأس ولده، وبطارقته، وفي هذه السنة نقض أهل قبرس العهد. فغزاهم معتوق بن يحيى، وكان عاملاً على سواحل مصر والشام، فسبى أهل قبرس، وفيها أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون، وكان مجوسياً، وفيها توفي أسد بن عمر، وابن عامر الكوفي صاحب أبي حنيفة، وفيها توفي يحيى بن خالد بن برمك محبوساً بالرقة، في المجرم وعمره سبعون سنة.

ثم دخلت سنة إِحدى وتسعين ومائة.

ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائة فيها سار الرشيد من الرقة إلى خراسان فنزل بغداد، ورحل عنها إِلى النهروان، لخمس خلون من شعبان، واستخلف على بغداد ابنه الأمين.

ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائة. فيها مات الفضل بن يحيى بن خالد ابن برمك في الحبس بالرقة، في المحرم، وعمره خمس وأربعون سنة، وكان من محاسن الدنيا؛ لم ير في العالم مثله.

موت الرشيد

في هذه السنة أعني سنة ثلاث وتسعين ومائة، مات الرشيد لثلاث خلون من جمادى الآخرة، وكان به مرض من حين ابتدأ بسفره، فاشتدت علته بجرجان، في صفر، فسار إِلى طوس فمات بها في التاريخ المذكور، وكان قد سير ابنه المأمون إِلى مرو، وحفر الرشيد قبره في موضع الدار التي كان فيها، وأنزل فيه قوماً ختموا فيه القرآن، وهو في محفة على شفير القبر، وكان يقول في تلك الحالة واسوءتاه من رسول الله، ولما دنت منه الوفاة غشي عليه ثم أفاق، فرأى المفضل بن الربيع على رأسه فقال: يا فضل

أحين دنا ما كنت أخشى دنوه ... رمتني عيونُ الناس من كل جانب

فأصبحتُ مرحوماً وكنت محسداً ... فصبرا على مكروه مر العواقب

سأبكي على الوصل الذي كان بيننا ... وأندبُ أيام السرور الذواهب

ثم مات، وصلى عليه ابنه صالح، وحضر وفاته الفضل بن الربيع وإسماعيل بن صبيح وسرور وحسين، وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً، وكان عمره

<<  <  ج: ص:  >  >>