للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآن استرحنا واستراحت ركابُنا ... وأمسك من يجدي ومن كان يحتدي

فقل للمطايا قد أمنت من السرى ... وطي الفيافي فدْفداً بعد فدْفد

وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر ... ولم تظفري من بعده بمسود

وقل للعطايا يا بعد فضل تعطلي ... وقل للرزايا كل يوم تجددي

ودونك سيفاً برمكياً مهنداً ... أصيب بسيف هاشمي مهندِ

وقال يحيى بن خالد لما نكب: الدنيا دول، والمال عازية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.

وفي هذه السنة خلع الروم ملكتهم وكانت امرأة تدعى رمنى وملكوا تقفور فكتب إِلى الرشيد: من تقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أمّا بعد، فإِن الملكة التي كان قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أضعافه إِليها، لكن ذلك من ضعف النساء وحمقهن، فإِذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، وإلا السيف بيننا وبينك فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الغضب، وكتب على ظهر الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين، إِلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه، ثم سار الرشيد من يومه حتى نزل على هرقلة، ففتح وغنم وخرب، فسأله نقفور المصالحة على خراج يحمله في كل سنة فأجابه.

وفي هذه السنة هاجت الفتنة بالشام بين المضرية واليمانية، فأرسل الرشيد وأصلح بينهم، وفيها ترفي الفضيل بن عياض الزاهد وكان مولده بسمرقند وانتقل إِلى مكة ومات بها، وفيها توفي أبو مسلم معاذ الفرءا النحوي وعنه أخذ الكسائي النحو وولد أيام يزيد بن عبد الملك.

ثم دخلت سنة ثمان وثمانين ومائة فيها توفي العباس بن الأحنف الشاعر.

ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائة فيها وقيل في سنة إِحدى وثمانين توفي أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن فيروز المعروف بالكسائي، في الري، وهو أحد القراء السبعة، وكان إِماماً في النحو واللغة، وقيل له الكسائي لأنه دخل الكوفة وأتى إِلى حمزة بن حبيب الزيات ملتفاً بكساء، وقيل بل حج وأحرم بكساء.

وفيها سار الرشيد إلى الري وأقام به أربعة أشهر، ثم رجع الرشيد إِلى العراق ودخل بغداد في آخر ذي الحجة، وأمر بإِحراق جثة جعفرة وكانت مصلوبة على الجسر، ولم ينزل ببغداد، ومضى من فوره إِلى الرقة، فقال في ذلك بعض شعراء الرشيد:

ما أنخنا حتى ارتحلنا فانف ... رق بين المناخ والارتحال

سألونا عن حالنا إِذ قدمنا ... فقرأنا وداعهم بالسؤال

فقال الرشيد: والله إِني أعلم أنه ما في الشرق ولا في الغرب مدينة أيمن ولا أيسر من بغداد، وأنها دار مملكة بني العباس، ولكني أريد المناخ على ناحية أهل الشقاق والنفاق،

<<  <  ج: ص:  >  >>