ومائة، وكانت مدة خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وكسراً، وكان عمره ثمانياً وعشرين سنة، وكان سبطاً أنزع صغير العينين، أقنى جميلا طويلاً وكان منهمكاً في لذات وشرب الخمر، حتى أرسل إلى جميع البلاد في طلب الملهين وضمهم إِليه، وأجرى عليهم الأرزاق، واحتجب عن أخوته وأهل بيته، وقسم الأموال والجواهر في خواصه، وفي الخصيان والنساء، وعمل خمس حراقات في دجلة، على صورة الأسد، وعلى صورة الفيل وعلى صورة العقاب، وعلى صورة الحية، وعلى صورة الفرس، وأنفق في عملها مالا عظيماً، وذكر ذلك أبو نواس في شعره فقال:
سخر الله للأمين مطايا ... لم تسخر لصاحب المحراب
فإذا ما ركابه سرْنَ براً ... سار في الماء راكباً ليثُ غاب
عجب الناس إِذ رَأوك عليه ... كيف لو أبصروك فوق العقاب
ذات سور ومنسر وجناحي ... ن تشق العباب بعد العباب
ولما قتل الأمين، استوثق الأمر في المشرق والمغرب للمأمون، وهو لهم، فولى الحسن بن سهل أخا الفضل، على كور الجبال والعراق وفارس والأهواز والحجاز واليمن.
ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائة. فيها ظهر ابن طباطبا العلوي، وهو محمد بن إِبراهيم بن إِسماعيل بن إِبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، بالكوفة، يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم وكان القيم بأمره، أبو السرايا السري بن منصور، وبايعه أهل الكوفة واستوثق له أهلها، فأرسل إِليه الحسن بن سهل بن زهير بن المسيب الضبي، في عشرة آلاف مقاتل، فهزمهم ابن طباطبا واستباحهم، وكانت الوقعة في جمادى الآخرة من هذه السنة، فلما كان مستهل رجب، مات محمد بن إِبراهيم بن طباطبا فجأة، سمه أبو السرايا ليستبد بالأمر، لأنه علم أنه لا حكم له مع ابن طباطبا، وأقام أبو السرايا غلاماً يقال له ابن زيد، من ولد علي بن أبي طالب، صورة مكان ابن طباطبا، ثم استولى أبو السرايا على البصرة وواسط، وجرى بينه وبين عساكر المأمون عدة وقائع يطول شرحها.
وفي هذه السنة توفي والد طاهر، وهو الحسين بن مصعب، بخراسان، وأرسل المأمون يعزي ابنه طاهراً بأبيه.
وفيها توفي عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، وكنيته أبو هاشم، وهو والد محمد بن عبد الله بن نمير شيخ البخاري.
ثم دخلت سنة مائتين فيها في المحرم هرب أبو السرايا من الكوفة في ثمان مائة فارس، بعد أن حاصره هرثمة ودخل هرثمة الكوفة وآمن أهلها، وسار أبو السرايا إِلى جلولاء وتفرق عنه أصحابه، فظفر به حماد الكندغوش، فأمسك أبا السرايا ومن بقي معه، وأتى بهم إِلى الحسن بن سهل وهو بالنهروان، فقتل أبا السرايا وبعث برأسه إِلى المأمون، وكان بين خروج أبي السرايا وقتله عشرة أشهر.