أئمتهم - فقال زكريا: أنا أحق بها لأن خالتها زوجتي.
فأخذها زكريا، وضمها إلى إيساع خالتها، فلما كبرت مريم أفرد لها زكريا غرفة حسبما تقدم ذكره، وأرسل الله جبريل، فنفخ في مريم فحبلت بعيسى، وولدته في بيت لحم وهي قرية قريبة من القدس سنة أربع وثلاثمائة لغلبة الإسكندر. ولما جاءت مريم بعيسى تحمله، قال لها قومها:" لقد جئت شيئاً فرياً "" مريم ١١٧ " وأخذوا الحجارة ليرجموها، فتكلم عيسى وهو في المهد معلقاً في منكبها - فقال " إني عبد الله آتاني الكتاب، وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أينما كنت "" مريم: ٣٠ - ٣١ "، فلما سمعوا كلام ابنها تركوها.
ثم إن مريم أخذت عيسى، وسارت به إلى مصر، وسار معه ابن عمها يوسف ابن يعقوب بن ماتان النجار. وكان يوسف المذكور نجاراً حكيماً، ويزعم بعضهم أن يوسف المذكور كان قد تزوج مريم، لكنه لم يقربها، وهو أول من أنكر حملها، ثم علم وتحقق براءتها، وسار معها إلى مصر، وأقاما هناك اثنتي عشرة سنة ثم عاد عيسى وأمه إلى الشام، ونزلا الناصرة وبها سميت النصارى - وأقام بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة، فأوحى الله تعالى إليه وأرسله إلى الناس.
من كتاب أبي عيسى ولما صار لعيسى ثلاثون سنة، صار إلى الأردن، وهو نهر الغور المسمى بالشريعة فاعتمد، وابتدأ بالدعوة، وكان يحيى بن زكريا هو الذي عمده، وكان ذلك لستة أيام خلت من كانون الثاني لمضي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة للإسكندر. وأظهر عيسى عليه السلام المعجزات، وأحيا ميتاً يقال له عازر بعد ثلاثة أيام من موته، وجعل من الطين طائراً قيل هو الخفاش، وأبرأ الأكمه والأبرص، وكان يمشي على الماء. وأنزل الله تعالى عليه المائدة، وأوحى إليه الإنجيل.
من كتاب أبي عيسى المغربي وكان عيسى عليه السلام يلبس الصوف والشعر، ويأكل من نبات الأرض، وربما تقوت من غزل أمه.
وكان الحواريون الذين اتبعوه اثني عشر رجلاً، وهم شمعون الصفا وشمعون القنابي، ويعقوب بن زندي، ويعقوب بن حلقي، وقولوس، ومارقوس وأندرواس، وتمريلا، ويوحنا، ولوقا، وتوما، ومتى وهؤلاء الذين سألوه نزول المائدة، فسأل عيسى ربه عز وجل، فأنزل عليه سفرة حمراء مغطاة بمنديل؛ فيها سمكة مشوية، وحولها البقول ما خلا الكراث، وعند رأسها ملح، وعند ذنبها خل ومعها خمسة أرغفة على بعضها زيتون، وعلى باقيها رمان وتمر، فأكل منها خلق كثير ولم تنقص، ولم يأكل منها ذو عاهة إلا برئ، وكانت تنزل يوماً وتغيب يوماً أربعين ليلة.
قال ابن سعيد: ولما أعلم الله المسيح أنه خارج من الدنيا، جزع من ذلك فدعا الحواريين، وصنع لهم طعاماً وقال أحضروني الليلة، فإن لي إليكم حاجة، فلما اجتمعوا بالليل عشاهم، وقام يخدمهم، فلما فرغوا من الطعام، أخذ يغسل أيديهم، ويمسحها بثيابه فتعاظموا ذلك فقال: من رد علي شيئاً مما أصنع، فليس مني فتركوه حتى فرغ فقال لهم: إنما فعلت هذا ليكون لكم أسوة بي في خدمة بعضكم بعضاً، وأما حاجتي إليكم؛ فأن تجتهدوا لي في الدعاء