للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببغداد، وجرى بينهم ببغداد قتال كثير، آخره أن ناصر الدولة وعسكره انهزموا، واستولى معز الدولة على الجانب الشرقي، وأعيد الخليفة إلى مكانه في المحرم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، واستقر معز الدولة ببغداد، وناصر الدولة بعكبرا، ثم سار ناصر الدولة إِلى الموصل، واستقر الصلح بين معز الدولة وناصر الدولة، في المحرم من سنة خمس وثلاثين.

وفاة القائم العلوي وولاية المنصور في هذه السنة توفي القائم بأمر الله أبو القاسم محمد بن المهدي عبيد الله صاحب المغرب لثلاث عشرة مضت من شوال، وقام بالأمر بعده ابنه إِسماعيل بن محمد، وتلقب بالمنصور بالله، وكتم موت القائم خوفاً من أبي يزيد الخارجي، واستمر كتمان ذلك حتى فرغ المنصور من أمر أبي يزيد الخارجي على ما ذكرناه، ثم اتسم بالخلافة، وضبط الملك والبلاد.

موت الإخشيد وملك سيف الدولة دمَشْق في هذه السنة مات الإخشيد بدمشق، وكان قد سار إِليها من مصر، وهو محمد بن طغج صاحب مصر ودمشق، وكان مولده سنة ثمان وستين ومائتين ببغداد، وكان الإخشيد قبل مسيره عن مصر، قد وجد بداره رقعة مكتوب عليها قدّرتم فأسأتم، وملكتم فبخلتم، ووسع عليكم فضيقتم، وأدرت لكم الأرزاق فقنطتم أرزاق العباد، واغتررتم بصفو أيامكم، ولم تتفكروا في عواقبكم، واشتغلتم بالشهوات، واغتنام اللذات وتهاونتم بسهام الأسحار وهن صائبات، ولا سيما إن خرجت من قلوب قرحتموها، وأكباد أجعتموها، وأجساد أعريتموها، ولو تأملتم في هذا حق التأمل لانتبهتم، أو ما علمتم أن الدنيا لو بقيت للعاقل، ما وصل إليها الجاهل، ولو دامت لمن مضى، ما نالها من بقي، فكفى بصحبة ملك يكون ملكه في زوال ملكه فرح للعالم، ومن المحال أن يموت المنتظرون كلهم، حتى لا يبقى منهم أحد، ويبقى المنتظر به، افعلوا ما شئتم فإنا صابرون، وجوروا فإنا بالله مستجيرون، وثقوا بقدرتكم وسلطانكم، فإنا بالله واثقون، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فبقي الإخشيد بعد سماع هذه الرقعة في فكر، وسافر إلى دمشق ومات وولي الأمر بعده ابنه أبو القسم أنوجور، وتفسيره محمود، واستولى على الأمر كافور الخادم الأسود، وهو من خدم الإخشيد، وكان أنوجور صغيراً، وسار كافور بعد موت الإخشيد إِلى مصر فسار سيف الدولة إِلى دمشق، وملكها، وأقام بها، واتفق أن سيف الدولة ركب يوماً والشريف العقيقي معه، فقال سيف الدولة: ما تصلح هذه الغوطة إِلا لرجل واحد.

فقال له العقيقي: هي لأقوام كثيرة: فقال سيف الدولة: لو أخذتها القوانين السلطانية لتبرؤا منها، فأعلم العقيقي أهل دمشق بذلك، فكاتبوا كافوراً يستدعونه، فجاءهم، فأخرجوا سيف الدولة عنهم. ثم استقر سيف الدولة بحلب، ورجع كافور إِلى مصر وولى على دمشق بدراً الإِخشيدي فأقام سنة ثم وليها أبو المظفر بن طغج.

<<  <  ج: ص:  >  >>