غير ذلك من الحوادث فيها اشتد الغلاء وعُدمَ القوت، ببغداد، حتى وجد مع إِنسان صبي قد شواه ليأكله، وكثر في الناس الموت، وفيها توفي علي بن عيسى بن الجراح الوزير، وله تسعون سنة. وفيها توفي عمر بن الحسين الخرقي الحنبلي، وأبو بكر الشبلي الصوفي، وكان أبو الشبلي حاجباً للموفق أخي المعتمد، وحجب الشبلي أيضاً للموفق، ثم تاب وصحب الفقراء، حتى صار واحد زمانه في الدين والورع، وكان الشبلي المذكور مالكي المذهب، حفظ الموطأ، وقرأ كتب الحديث، وقال الجنيد عنه: لكل قوم تاج، وتاج القوم الشبلي. وفيها توفي محمد بن عيسى، ويعرف بأبي موسى الفقية الحنفي.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة فيها توفي أبو بكر الصولي وكان عالماً بفنون الأدب والأخبار، روى عن أبي العباس ثعلب وغيره، وروى عنه الدارقطني وغيره وللصولي التصانيف المشهورة.
ثم دخلت سنة ست وثلاثين وثلاثمائة فيها عقد المنصور العلوي ولاية جزيرة صقلية للحسن بن علي بن أبي الحسين الكلبي، من تاريخ جزيرة صقلية تأليف صاحب تاريخ القيروان، واستمر الحسن بن علي يغزو ويفتح في جزيرة صقلية حتى مات المنصور، وتولى المعز، فاستخلف الحسن على صقلية ولده أبا الحسين أحمد ابن الحسن، فكانت ولاية الحسن بن علي على صقلية خمس سنين ونحو شهرين، وسار الحسن عن صقلية إِلى إِفريقية في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، ولما وصل الحسن إِلى إِفريقية، كتب المعز بولاية ابنه أحمد بن الحسن على صقلية فاستقر أحمد والياً عليها. وفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائة قدم أحمد بن الحسن من صقلية، ومعه ثلاثون رجلاً من وجوه الجزيرة، على المعز بإِفريقية فبايعوا المعز وخلع عليهم المعز، ثم أعاده إِلى مقره بصقلية، وفي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة ورد كتاب المعز على الأمير أحمد بصقلية، يأمره فيه يإِحصاء أطفال الجزيرة، وأن يختنهم ويكسوهم في اليوم الذي يطهر فيه المعز ولده، فكتب الأمير أحمد خمسة عشر ألف طفل وابتدأ أحمد فختن أخوته في مستهل ربيع الأول من هذه السنة، ثم ختن الخاص والعام، وخلع عليهم، ووصل من المعز مائة ألف درهم وخمسون حملا من الصلات، ففرقت في المختونين، وفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة أرسل الأمير أحمد بسبي طبرمين بعد فتحها إِلى المعز، وجملته ألف وسبع مائة ونيف، وسبعون رأساً، وفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة جهز المعز أسطولاً عظيماً، وقدم عليهم الحسن بن علي بن الحسين والد الأمير أحمد، فوصل إِلى صقلية، واجتمعت الروم بها، وجرى بينهم قتال شديد، نصر الله فيه المسلمين، وقتل من الكفار فوق عشرة آلاف نفس، وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم، فكان في جملة ذلك عليه منقوش: " هذا سيف هندي وزنه مائة وسبعون مثقالاً، طالما ضرب به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث به الحسن بن علي