الأزهر بن طلحة اللغوي الإمام المشهور، كان فقيهاً شافعي المذهب فغلبت عليه اللغة، واشتغل بها، وصنف في اللغة كتاب التهذيب، ويكون أكثر من عشرة مجلدات، وله تصنيف في غريب الألفاظ التي يستعملها الفقهاء. وولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين، والأزهري منسوب إِلى جده الأزهر.
ثم دخلت سنة إِحدى وسبعين وثلاثمائة وفيها استولى عضد الدولة على بلاد جرجان وطبرستان، وأجلى عنها صاحبها قابوس بن وشمكير ومعه فخر الدولة علي أخو عضد الدولة، وكان ذلك بسبب أن عضد الدولة، طلب من قابوس أن يسلم إليه أخاه فخر الدولة علياً، فامتنع قابوس عن ذلك. وفيها قبض عضد الدولة على القاضي المحسن بن علي التنوخي الحنفي، وكان شديد التعصب على الشافعي، يطلق لسانه فيه. وفيها أفرج عضد الدولة عن أبي إِسحاق إِبراهيم الصابي، وكان قد قبض عليه سنة سبع وستين بسبب أنه كان ينصح في المكاتبات لصاحبه بختيار، وهذا من العجب فإنه ما ينبغي أن تجعل مناصحة الإنسان لصاحبه وعدم مخامرته ذنباً. وفيها أرسل عضد الدولة القاضي أبا بكر محمد بن الطيب الأشعري، المعروف بابن الباقلاني، إِلى ملك الروم في جواب رسالة وردت عليه منه. وفيها توفي أبو بكر أحمد بن إِبراهيم بن إِسماعيل الإِسماعيلي، الفقيه الشافعي الجرجاني، والإمام محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي، الفقيه الشافعي، وكان عالماً بالحديث وغيره، وروى صحيح البخاري عن الفريري.
ثم دخلت سنة اثنتين وسيعين وثلاثمائة في هذه السنة سير العزيز بالله العلوي صاحب مصر، جيشاً مع بكتكين إِلى الشام، فوصلوا إِلى فلسطين، وكان قد استولي عليها مفرج بن الجراح، وكثر جمعه، فجرى بينهم قتال شديد، فانهزم ابن الجراح وجماعته، وكثر القتل والنهب فيهم، ثم سار بكتكين إِلى دمشق، فقاتله قسام المتولي عليها، فغلبه بكتكين وملك دمشق، وأمسك قساماً وأرسله إِلى العزيز بمصر، واستقر بدمشق وزالت الفتن.
وفاة عضد الدولة في ثامن شوال من هذه السنة، مات عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه، بمعاودة الصرع مرة بعد أخرى، وحمل إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فدفن به، وكانت ولايته بالعراق خمس سنين ونصفاً، وكان عمره سبعاً وأربعين سنة، وقيل إِنه لما احتضر لم ينطق لسانه إِلا بتلاوة " ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه " وكان عاقلا فاضلا، حسن السياسة شديد الهيبة، وهو الذي بنى على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم سوراً، وله شعر فمنه أبيات منها بيت لم يفلح بعده والأبيات هي:
ليس شرب الراح إِلا في المطر ... وغناء من جوار في السحر
غانيات سالبات للنهى ... ناغمات في تضاعيف الوتر
مبرزاتُ الكأس من مطلعها ... ساقياتُ الراح من فاق البشر