وكان عمره نيفاً وثمانين سنة، وإمارته اثنتين وخمسين سنة، لأن تملكه كان في سنة اثنتين وأربعمائة كما قدمنا ذكره في سنة ثمانين وثلاثمائة، واستولى أبو نصر على أموره وبلاده استيلاء تاماً، وتنعم تنعماً لم يسمع بمثله، وملك من الجواري المغنيات ما اشترى بعضهن بخمسة آلاف دينار، وأكثر، وملك خمسمائة سرية، سوى توابعهن وخمسمائة خادم، وكان في مجلسه من الآلات ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار، وأرسل طباخين إلى مصر حتى تعلموا الطبخ هناك وقدموا عليه، وغرم على ذلك جملة، ووزر له أبو القاسم المغربي وفخر الدولة بن جهير، ووفد إليه الشعراء وأقام عنده العلماء، ولما مات نصر الدولة المذكور، خلف ابنين نصراً وسعيداً ابني المذكور، فاستقر في الأمر بعده ابنه نصر بن أحمد بميافارقين، وملك أخوه سعيد بن أحمد آمد.
وفاة أمير مكة في هذه السنة توفي شكر العلوي الحسيني أمير مكة، وله شعر حسن فمنه:
قوض خيامك عن أرض تضام بها ... وجانب الذل إن الذل مجتنب
وارحل إذا كان في الأوطان منقصة ... فالمندل الرطب في أوطانه حطب
ثم دخلت سنة أربع وخمسين وأربعمائة فيها تزوج طغريل بك ببنت الخليفة القائم، وكان العقد في شعبان بظاهر تبريز، وكان الوكيل في تزويجها من جهة القائم عميد الملك، وفيها استوزر القائم فخر الدولة أبا نصر بن جهير بعد مسيره عن ابن مروان. وفيها توفي القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، الفقيه الشافعي، صاحب كتاب لشهاب، وكتاب الأنباء عن الأنبياء، وتواريخ الخلفاء وكتاب خطط مصر. تولى قضاء مصر من جهة الخلفاء العلويين مصريين، وتوجه منهم رسولا إلى جهة الروم، والقضاعي منسوب إلى قضاعة، وهو من حمير، وينسب إلى قضاعة قبائل كثير منها: كلب وبلى وجهينة وعدوة وغيرهم، وقيل: قضاعة بن معد بن عدنان.
ثم دخلت سنة خمس وخمسين وأربعمائة أخبار اليمن
من تاريخ اليمن عمارة قال: وفي هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين وأربعمائة تكامل جميع اليمن لعلي بن القاضي محمد بن علي الصليحي، وكان القاضي محمد والد علي الصليحي المذكور، سني المذهب، وله الطاعة في رجال حراز، وهم أربعون ألفاً ببلاد اليمن، فتعلم ابنه علي المذكور مذهب الشيعة، وأخذ أسرار الدعوة عن عامر بن عبد الله الرواحي، وكان عامر المذكور من أهل اليمن، وهو أكبر دعاة المستنصر الفاطمي خليفة مصر، فصحبه علي بن محمد الصليحي وتعلم منه أسرار الدعوة، فلما دنت من عامر الوفاة، أسند