الحرمين في حقه: ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة، إلا أحمد البيهقي، فإن له على الشافعي منة، لأنه كان أكثر الناس نصر المذهب الشافعي. وفيها توفي أبو علي محمد ابن الحسين بن الحسن بن الفراء الحنبلي، وعنه انتشر مذهب أحمد بن حنبل، وهو مصنف كتاب الصفات، أتى فيه بكل عجيبة، وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض، وكان ابن التميمي الحنبلي يقول: لقد خرى أبو يعلي بن الفراء على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء.
وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده المرسي، وكان إماماً في اللغة، صنف فيها المحكم، وهو كتاب مشهور، وله غيره عدة مصنفات وكان ضريراً، وتوفي بدانية من شرق الأندلس، وعمره نحو ستين سنة.
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وأربعمائة فيها في ذي القعدة فرغت عمارة المدرسة النظامية، وتقرر التدريس بها للشيخ أبي إسحاق الشيرازي واجتمع الناس فتأخر أبو إسحق عن الحضور لأنه سمع شواذاً أن أرض المدرسة مغصوبة، ولما تأخر ألقي الدرس بها إلى يوسف بن الصباغ صاحب كتاب الشامل مدة عشرين يوماً، ثم اجتهدوا بأبي إسحاق فلم يزالوا به حتى درس فيها.
ثم دخلت سنة ستين وأربعمائة فيها كانت بفلسطين ومصر زلزلة شديدة حتى طلع الماء من رؤوس الآبار، وهلك من الردم عالم عظيم، وزال البحر عن الساحل مسيرة يوم، فنزل الناس أرضه يلتقطون فرجع الماء عليهم وأهلك خلقاً كثيراً. وفيها توفي الشيخ أبو منصور عبد الملك بن يوسف، وكان من أعيان الزمان.
ثم دخلت سنة إحدى وستين وأربعمائة فيها احترق جامع دمشق بسبب فتنة وقعت بين المغاربة والمشارقة، فضربت دار مجاورة للجامع بالنار، فاتصلت النار بالجامع، وعجز الناس عن إطفائها، فأتى الحريق على الجامع، فدثرت محاسنه، وزال ما كان فيه من الأعمال النفيسة.
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وأربعمائة في هذه السنة توفي طفغاج خان ملك ما وراء النهر، واسمه أبو إسحاق إبراهيم بن نصر أيلك خان، وملك بعده ابنه شمس الملك نصر بن طفغاج، وبقي شمس الملك حتى توفي، ولم يقع لي تاريخ وفاته، وملك بعده أخوه حصر خان بن طفغاج، ثم ملك بعده ابنه أحمد، وبقي أحمد المذكور حتى قتل سنة ثمان وثمانين وأربعمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها كان بمصر غلاء شديد حتى أكل الناس بعضهم بعضاً، وانتزح منها من قدر على الانتزاح، واحتاج خليفة مصر المستنصر العلوي إلى إخراج الآلات وبيعها، فأخرج من خزانته ثمانين ألف قطعة بلور كبار، وخمساً وسبعين ألف قطعة من الديباج وأحد عشر ألف كزغندو، وعشرين ألف سيف محلى، ووصل من ذلك مع التجار إلى بغداد.
ثم دخلت سنة ثلاث وستين وأربعمائة فيها قطع محمود بن نصر بن صالح ابن مرداس صاحب حلب خطب المستنصر العلوي، وخطب للقائم العباسي خليفة بغداد. وفيها سار السلطان ألب أرسلان إلى ديار بكر، فأتى صاحبها نصر