للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات من الخوف، فعظم موته على ألب أرسلان وبكى عليه، وقعد للعزاء وعظم عليه فقده فسلاه نظام الملك، ودخل ألب أرسلان مدينة الري في آخر المحرم من هذه السنة، وهذا قطلومش السلجوقي هو جد الملوك أصحاب قونية، وأقصرا وملطية، إلى أن استولى التتر على مملكتهم على ما سنذكره إن شاء الله تعالى. وكان قطلومش مع أنه رجل تركي عارفاً بعلم النجوم، وقد أتقنه.

وفي هذه السنة شاع ببغداد والعراق وخوزستان وكثير من البلاد، أن جماعة من الأكراد خرجوا يتصيدون، فرأوا في البرية خيماً سوداء وسمعوا منها لطماً شديداً وعويلا كثيراً، وقائلا يقول: قد مات سيدوك ملك الجن، وأي بلد لم يلطم أهله قلع أصله، فصدق ذلك ضعفاء العقول من الرجال والنساء، حتى خرجوا إلى المقابر يلطمن وخرج رجال من سفلة الناس يفعلون ذلك، قال ابن الأثير: ولقد جرى ونحن في الموصل وغيرها من تلك البلاد في سنة ستمائة مثل هذا، وهو أن الناس أصابهم وجع كثير في حلوقهم فشاع أن امرأة من الجن يقال لها أم عنقود مات ابنها عنقود، وكل من لا يعمل مأتماً أصابه هذا المرض، فكان النساء وأوباش الناس يلطمون على عنقود ويقولون يا أم عنقود اعذرينا، قد مات عنقود ما درينا.

وإنما أوردنا هذا لأن رعاع الناس إلى يومنا هذا وهو سنة سبعمائة وخمس عشرة يقولون بأم عنقود وحديثها، ليعلم تاريخ هذا الهذيان من متى كان. وفيها توفي أبو القاسم علي بن برهان الأسد النحوي، المتكلم، وكان له اختيار في الفقه وكان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس. ولم يقبل من أحد شيئاً، وكان يميل إلى مذهب مرجئة المعتزلة، ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار، وكان قد جاوز ثمانين سنة.

ثم دخلت سنة سبع وخمسين وأربعمائة وفيها عبر ألب أرسلان جيحون وسار إلى جند وصبران، وهما عند بخارى، وقبر جده سلجوق بجند، فخرج صاحب جند إلى طاعته، فأقره على مكانه، ووصل إلى كركنج خوارزم، وسار منها إلى مرو. وفيها ابتدأ نظام الملك بعمارة المدرسة النظامية ببغداد.

ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وفيها أقطع ألب أرسلان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدار بن المقلد بن المسيب صاحب الموصل، الأنبار وتكريت زيادة على الموصل. وفيها توفي أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الخسروجردي، وكان إماماً في الحديث والفقه على مذهب الشافعي، وكان زاهداً ومات بنيسابور ونقل إلى بيهق، وبيهق قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخاً منها، وكان البيهقي من خسرو جرد وهي - قرية من بيهق - وكان البيهقي أوحد زمانه، رحل في طلب الحديث إلى العراق والجبال والحجاز، وصنف شيئاً كثيراً، وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلدات، ومن مشهور مصنفاته السنن الكبير والسنن الصغير ودلائل النبوة، وكان قانعاً من الدنيا بالقليل، ومولده في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. وقال إمام

<<  <  ج: ص:  >  >>