وكان مستجاب الدعوة مطرح التكلف، ولما توجه إلى خراسان في رسالة الخليفة قال: ما دخلت بلدة ولا قرية إلا وكان خطيبها وقاضيها تلميذي، ومن جملة أصحابي. وفيها توفي أبو الحجاج بن يوسف بن سليمان الأعلم الشنتمري، رحل إلى قرطبة واشتغل بها. وكان إماماً في العربية والأدب وشرح الحماسة، ونسبته إلى شنتمرية، مدينة بالأندلس.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة فيها سار فخر الدولة بن جهير بعساكر السلطان ملكشاه، إلى قتال شرف الدولة مسلم بن قريش، ثم سير السلطان ملكشاه إلى فخر الدولة جيشاً آخر فيهم الأمير أرتق بن أكسك وقيل أكسب، والأول أصح، جد الملوك الأرتقية، فانهزم شرف الدولة مسلم، وانحصر في آمد، ونزل الأمير أرتق على آمد، فحصره فبذل له مسلم بن قريش مالاً جليلاً ليمكنه من الخروج من آمد فأذن له أرتق، وخرج شرف الدولة من آمد في حادي عشرين ربيع الأول من هذه السنة، فسار إلى الرقة وبعث إلى أرتق ما وعده به، ثم سير السلطان عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير بعسكر كثيف، وسير معه، أقسنقر قسيم الدولة إلى الموصل، فاستولى عليها عميد الدولة، وهذا أقسنقر هو والد عماد الدولة زنكي، ثم أرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة بالعهود يستدعيه إلى سلطان، فقدم شرف الدولة إليه، وأحضره عند السلطان ملكشاه بالبوازيح، وكان قد ذهبت أمواله، فاقترض شرف الدولة مسلم، ما خدم به السلطان، وقدم إليه خيلاً من جملتها فرسه التي نجا عليه في المعركة. المشهور وكان اسم الفرس بشاراً، وكان سابقاً، وسابق به السلطان الخيل، فجاء سابقاً، فقام السلطان قائماً لما تداخله من العجب، فرضي السلطان على مسلم، وخلع عليه وأقره على بلاده.
فتح سلمان بن قطلومش أنطاكية في هذه السنة سار سلمان بن قطلومش السلجوقي صاحب قونية، وأقصرا، وغيرهما من بلاد الروم، فملك مدينة أنطاكية بمخامرة الحاكم فيها من جهة النصارى، وكانت أنطاكية بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، فافتتحها سليمان في هذه السنة.
قتل شرف الدولة مسلم وملك أخيه إبراهيم لما ملك سليمان بن قطلومش أنطاكية وأرسل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحلب، يطلب منه ما كان يحمله إليه أهل أنطاكية، فأنكر سليمان ذلك وقال: إن صاحب أنطاكية كان نصرانياً، فكنت تأخذ منه ذلك على سبيل الجزية، ولم يعطه شيئاً، فجمعا واقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، في طرف أعمال