أنطاكية، فانهزم عسكر مسلم، وقتل شرف الدولة مسلم في المعركة، وقتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلب، وقد قدمنا ذكر مقتله لتتبع الحادثة بعضها بعضاً، وكان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلد بن المسيب أحول، واتسع ملك مسلم بن قريش المذكور، وزاد ملك من تقدمه من أهل بيته، فإنه ملك السندية التي على نهر عيسى إلى منبج وديار ربيعة ومضر من الجزيرة وحلب، وما كان لأبيه وعمه قرواش من الموصل، وغيرهم، وكان مسلم يسوس مملكته سياسة حسنة، بالأمر والعدل، ولما قتل، قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس، فأخرجوه وملكوه وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة، بحيث صار لم يقدر على المشي لما خرج.
وفي هذه السنة ولد لملكشاه ولد بسنجار، فسماه أحمد، ثم غلب عليه اسم سنجر لكونه ولد بسنجار، وهو السلطان سنجر على ما تجيء أخباره، كذا نقله المؤرخون، والذي يغلب على ظني أنه سماه على عادة الترك، فإنهم يسمون صنجر، ومعناه يطعن، والناس يقولونه بالسين.
وفيها توفي أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد الصباغ الفقيه الشافعي، صاحب الشامل والكامل، وكفاية المسائل وغيرها من التصانيف، بعد أن أضر عدة سنين، ومولده سنة أربعمائة، والقاضي أبو عبد الله الحسين بن علي البغدادي، المعروف بابن القفال، وهو من شيوخ أصحاب الشافعي، وكان إليه القضاء بباب الأزج.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فيها ملك الفرنج طليطلة من الأندلس بعد أن حاصرها الأدفونش سبع سنين، وكان سبب ذلك تفرق ممالك الأندلس على ما تقدم ذكره في سنة سبع وأربعمائة.
وفي هذه السنة استولى فخر الدولة بن جهير على آمد، ثم على ميافارقين، ثم على جزيرة ابن عمر، وهي بلاد بني مروان وأخذها من منصور بن نصر بن مروان وهو آخر من ملك منهم، وانقرضت بأخذ الجزيرة منه مملكة بني مروان، فسبحان من لا يزول ملكه.
وفيها سار أمير الجيوش بدر الجمالي بجيوش مصر، فحصر دمشق وبها تاج الدولة تنش، وضيق عليه، فلم يظفر بشيء، فارتحل عائداً إلى مصر.
وفيها في ربيع الآخر توفي إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف الجويني ومولده في الكامل سنة عشرة وأربعمائة، وفي تاريخ ابن أبي الدم أن مولده سنة تسع عشرة وأربعمائة، وهو إمام العلماء في وقته، وله عدة مصنفات منها: نهاية المطلب في دراية المذهب، سافر إلى بغداد، ثم إلى الحجاز وأقام بمكة والمدينة أربع سنين يدرس ويفتي ويصنف، وأم بالناس في الحرمين الشريفين، فسمي لذلك إمام الحرمين، ثم رجع إلى نيسابور وجعل إليه الخطابة، ومجلس الذكر، والتدريس، وبقي على ذلك ثلاثين سنة، وحظي عند نظام الملك، وله عدة تلاميذ من الفضلاء كالغزالي وأبي القاسم الأنصاري وأبي الحسن علي الطبري، وهو المعروف بالكيا الهراس، وكان إمام الحرمين قد ادعى