والعشرين من رجب، ثم غدر بأهلها وأسر وسبى، وتنصر قاضيها، وقدر أربعمائة نفس من أهلها، وأقام على بزاعة بعد أخذها عشرة أيام، ثم رحل عنها بمن معه من الفرنج إلى حلب، ونزل على قويق، وزحف على حلب، وجرى بين أهلها وبينهم قتال كثير، فقتل من الروم بطريق عظيم القدر عندهم، فعادوا خاسرين، وأقاموا ثلاثة أيام ورحلوا إلى الأثارب وملكوها، وتركوا فيها سبايا بزاعة وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم.
وسار ملك الروم بمجموعة من الأثارب نحو شيزر، فخرج الأمير أسوار نائب زنكي بحلب بمن عنده، وأوقع بمن في الأثارب من الروم فقتلهم واستفكت أسرى بزاعة وسباياها، وسار ملك الروم بجموعه إلى شيزر وحصرها، ونصب عليها ثمانية عشر منجنيقاً، وأرسل صاحب شيزر أبو العساكر سلطان بن علي بن مقلد بن نصر ابن منقذ الكناني إلى زنكي يستنجده، فسار زنكي ونزل على العاصي بين حماة وشيزر، وكان يركب عماد الدين زنكي وعسكره كل يوم، ويشرفون على الروم وهم محاصرون لشيزر، بحيث يراهم الروم ويرسل السرايا فيأخذون كل ما يظفرون به منهم، وأقام ملك الروم محاصراً شيزر أربعة وعشرون يوماً، ثم رحل عنها من غير أن ينال منها غرضاً، وسار زنكي في أثر الروم، فظفر بكثير ممن تخلف منهم، ومدح الشعراء زنكي بسبب ذلك، فأكثروا، فمن ذلك ما قاله مسلم بن خضر بن قسيم الحموي من أبيات:
لعزمك أيها الملك العظيم ... تذل لك الصعاب وتستقيم
ألم تر أن كلب الروم لما ... تبين أنه الملك الرحيم
وقد نزل الزمان على رضاء ... ودان لخطبه الخطب العظيم
فحين رميته بك عن خميس ... تيقن فوت ما أمسى يروم
كأنك في العجاج شهاب نور ... توقد وهو شيطان رجيم
أراد بقاء مهجته فولى ... وليس سوى الحمام له حميم
ذكر مقتل الراشد كان الراشد قد سار من بغداد إلى الموصل مع عماد الدين زنكي وخلع كما تقدم ذكره. ثم فارق الراشد زنكي وسار من الموصل إلى مراغة، واتفق الملك داود بن السلطان محمود وملوك تلك الأطراف، على خلاف السلطان مسعود وقتاله، وإعادة الراشد إلى الخلافة، وسار السلطان مسعود إليهم واقتتلوا، فانهزم داود وغيره، واشتغل أصحاب السلطان مسعود بالكسب، وبقي وحده، فعمل عليه أميران يقال لهما بوزايه وعبد الرحمن طغايرك، فانهزم مسعود من بين أيديهما، وقبض بوزايه على جماعة من أمرائه، وعلى صدقة بن دبيس صاحب الحلة، ثم قتلهم أجمعين.
وكان الراشد إذ ذاك بهمذان، فلما كان من الوقعة ما كان سار الملك داود إلى فارس، وتفرقت تلك الجموع وبقي الراشد وحده، فسار إلى أصفهان، فلما