على إحرامها إلى قابل، وفعلت كما قال، فتم حجها الأول والثاني.
وفيها مات الكيا الصنهاجي، صاحب الألموت، مقدم الإسماعلية، وقام ابنه مقامه، فأظهر التوبة.
وفيها في المحرم، توفي الشيخ عدي بن مسافر الزاهد، المقيم ببلد الهكارية، من أعمال الموصل، وأصل الشيخ عدي من الشام، من بلد بعلبك، فانتقل إلى الموصل، وتبعه أهل السواد والجبال بتلك النواحي، وأطاعوه وأحسنوا الظن به. ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
ذكر وزارة شاور ثم الضرغام في هذه السنة، في صفر، وزر شاور للعاضد لدين الله العلوي، وكان شاور يخدم الصالح طلائع بن رزيك، فولاه الصعيد، وكانت ولاية الصعيد أكبر المناصب هد الوزارة، ولما خرج الصالح، أوصى ابنه العادل أن لا يغير على شاور شيئاً، لعلمه بقوة شاور، فلما تولى العادل ابن الصالح الوزارة، كتب إلى شاور بالعزل، فجمع شاور جموعه، وسار نحو العادل إلى القاهرة، فهرب العادل، وطرد وراءه شاور، وأمسكه وقتله، وهو العادل رزيك بن الصالح طلائع بن رزيك، وانقرضت بمقتله دولة بني رزيك، وفيهم يقول عمارة التميمي من أبيات طويلة:
ولت ليالي بني رزيك وانصرمت ... والمدح والشكر فيهم غير منصرم
كأن صالحهم يوماً وعادلهم ... في صدر ذا الدست لم يقعد ولم يقم
واستقر شاور في الوزارة، وتلقب بأمير الجيوش، وأخذ أموال بني رزيك وودائعهم، ثم إن الضرغام، جمع جمعاً ونازع شاور في الوزارة، في شهر رمضان، وقوى على شاور، فانهزم شاور إلى الشام، مستنجداً بنور الدين، ولما تمكن ضرغام في الوزارة، قتل كثيراً من الأمراء المصريين، لتخلو له البلاد، فضعفت الدولة لهذا لسبب، حتى خرجت البلاد من أيديهم.
ذكر وفاة عبد المؤمن
في هذه السنة، في العشرين من جمادى الآخرة، توفي عبد المؤمن بن علي، صاحب بلاد المغرب وإفريقية والأندلس، وكان قد سار من مراكش إلى سلا، فمرض بها ومات، ولما حضره الموت، جمع شيوخ الموحدين وقال لهم: قد جربت ابني محمداً فلم أره يصلح لهذا الأمر، وإنما يصلح له ابني يوسف، فقدموه، فبايعوه، ودعى بأمير المؤمنين، واستقرت قواعد ملكه، وكانت مدة ولاية عبد المؤمن ثلاث وثلاثين سنة وشهوراً. وكان حازماً سديد الرأي، حسن السياسة للأمور، كثير سفك الدم على الذنب الصغير، وكان يعظم أمر الدين ويقويه، ويلزم الناس بالصلاة بحيث أنه من رآه وقت الصلاة غير مصل قتل، وجمع الناس في المغرب على مذهب مالك في الفروع، وعلى مذهب أبي الحسن الأشعري في الأصول.