ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة، ملك المؤيد أي به قومس، ولما ملكها أرسل إليه السلطان أرسلان بن طغريل ابن ملكشاه خلعة وألوية، وهدية جليلة، فلبس المؤيد أي به الخلع، وخطب له في بلاده.
وفي هذه السنة كبس الفرنج نور الدين محمود، وهو نازل بعسكره في البقيعة، تحت حصن الأكراد، فلم يشعر نور الدين وعسكره إلا وقد أظلت عليهم صلبان الفرنج، وقصدوا خيمة نور الدين، فلسرعة ذلك ركب نور الدين فرسه وفي رجله السنجة، فنزل إنسان كردي فقطعها، فنجا نور الدين، وقتل الكردي، فأحسن نور الدين إلى مخلفيه، ووقف عليهم الوقوف، وسار نور الدين إلى بحيرة حمص، فنزل عليها، وتلاحق به من سلم من المسلمين. وفيها أمر الخليفة المستنجد بإخلاء بني أسد، وهم أهل الحلة المزيدية، فقتل منهم جماعة، وهرب الباقون، وتشتتوا في البلاد، وذلك لفسادهم في البلاد، وسلمت بطائحهم وبلادهم إلى رجل يقال له ابن معروف.
وفيها توفي سديد الدولة محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم، المعروف بابن الأنباري، كاتب الإنشاء بدار الخلافة، وكان فاضلاً أديباً، وكان عمره قريب تسعين سنة.
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وخمسمائة في هذه السنة سير نور الدين محمود بن زنكي، عسكراً، مقدمهم أسد الدين شيركوه بن شاذي، إلى الديار المصرية، ومعهم شاور، وكان قد سار من مصر هارباً من ضرغام الوزير، فلحق شاور بنور الدين واستنجده، وبذل له ثلث أموال مصر، بعد رزق جندها، إن أعاده إلى الوزارة، فأرسل نور الدين شيركوه إلى مصر، فوصل إليها وهزم عسكر ضرغام، وقتل ضرغام عند قبر السيدة نفيسة، وأعاد شاور إلى وزارة العاضد العلوي.
وكان مسير أسد الدين في جمادى الأولى من هذه السنة. واستقر شاور في الوزارة، وخرجت إليه الخلع في مستهل رجب من هذه السنة، ثم غدر شاور بنور الدين ولم يف له بشيء مما شرط، فسار أسد الدين واستولى على بلبيس والشرقية، فأرسل شاور واستنجد بالفرنج، على إخراج أسد الدين شيركوه من البلاد، فسار الفرنج، واجتمع معهم شاور بعسكر مصر، وعمروا شيركوه ببلبيس، ودام الحصار مدة ثلاث أشهر، وبلغ الفرنج حركة نور الدين وأخذه حارم، فراسلوا شيركوه في الصلح، وفتحوا له، فخرج من بلبيس بمن معه من العسكر، وسار بهم ووصلوا إلى الشام سالمين.
وفي هذه السنة في رمضان، فتح نور الدين محمود قلعة حارم، وأخذها من الفرنج، بعد مصاف جرى بين نور الدين والفرنج، انتصر فيه نور الدين، وقتل وأسر من الفرنج عالماً كثيراً، وكان في جملة الأسرى البرنس، صاحب أنطاكية، والقومص صاحب طرابلس، وغنم منهم المسلمون شيئاً كثيراً.
وفي هذه السنة أيضاً في ذي الحجة، سار نور الدين إلى بانياس وفتحها، وكان بيد الفرنج من سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة إلى هذه السنة.
في هذه السنة توفي جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي