منصور لأصفهاني، وزير قطب الدين مودود بن زنكي، صاحب الموصل، في شعبان، مبوضاً عليه، وكان قد قبض عليه قطب الدين، في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وكان قد تعاهد جمال الدين المذكور، وأسد الدين شيركوه، أنهما من مات منهما قبل الآخر، ينقله الآخر إلى مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، فيدفنه فيها، فنقله شيركوه، واكترى له من يقرأ القرآن عند شيله وحطه، وكان ينادي في كل بلد ينزلونه بها بالصلاة عليه، ولما أرادوا الصلاة عليه بالحلة، صعد شاب على موضع مرتفع وأنشد:
سرى نعشه فوق الرقاب وطالما ... سرى جوده فوق الركاب ونائله
يمر على الوادي فتثني رماله ... عليه، وبالنادي فتثني أرامله
وطيف به حول الكعبة، ودفن في رباط بالمدينة بناه لنفسه، وبينه وبين قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، نحو خمسة عشر ذراعاً، وهذا جمال الدين، هو الذي جدد مسجد الخيف بمنى، وبنى الحجر بجانب الكعبة، وزخرف الكعبة، وغرم جملة طائلة لصاحب مكة، وللمقتفي، حتى مكنه من ذلك، وهو الذي بنى المسجد الذي على جبل عرفات، وعمل الدرج إليه، وعمل بعرفات مصانع الماء، وبنى سوراً على مدينة النبي، صلى الله عليه وسلم، وبنى على دجلة جسراً، عند جزيرة ابن عمر، بالحجر المنحوت والحديد والرصاص والكلس، فقبض قبل أن يفرغ، وبنى الربط وغيرها.
وفي هذه السنة توفي نصر بن خلف، ملك سجستان، وعمره أكثر من مائة سنة، ومدة ملكه ثمانون سنة، وملك بعده ابنه أبو الفتح أحمد بن نصر.
وفيها توفي الإمام عمر الخوارزمي، خطيب بلخ، ومفتيها، والقاضي أبو بكر المحمودي صاحب التصانيف والأشعار، وله مقامات بالفارسية على نمط مقامات الحريري.
ثم دخلت سنة ستين وخمسمائة في هذه السنة، في ربيع الأول، توفي شاه مازندران رستم بن علي بن شهريار بن قارن، وملك بعده ابنه علاء الدين الحسن، وفيها ملك المؤيد أي به مدينة هراة.
وفيها كان بين قليج أرسلان صاحب قونية، وما جاورها من بلاد الروم، وبين باغي أرسلان بن الدانشمند صاحب ملطية، وما يجاورها من بلاد الروم، حروب شديدة، انهزم فيها قليج أرسلان، واتفق موت باغي أرسلان صاحب ملطية في تلك المدة، وملك بعده ملطية ابن أخيه إبراهيم بن محمد بن الدانشمند، واستولى ذو النون بن محمد بن الدانشمند على قيساربة، وملك شاهان شاه بن مسعود أخو قليج أرسلان مدينة أنكورية، واصطلح المذكورون على ذلك، واستقرت بينهم القواعد واتفقوا.
وفيها توفي عون الدين الوزير ابن هبيرة، واسمه يحيى بن محمد بن المظفر، وكان موته في جمادى الأولى، ومولده سنة سبعين وأربعمائة، ودفن بالمدرسة التي بناها الحنابلة، بباب البصرة، وكان حنبلي المذهب، وأنفق على المقتفي نفاقاً عظيماً، حتى أن المقتفي كان يقول: لم يتوزر لبني العباس مثله، ولما مات قبض على أولاده وأهله.
وفيها توفي الشيخ الأمام أبو القاسم عمر بن عكرمة بن البرزي،