الفقيه الشافعي، تفقه على الكيا الهراسي، وكان أوحد زمانه في الفقه، وهو من جزيرة ابن عمر.
وفيها توفي أبو الحسن هبة الله بن صاعد بن هبة الله، المعروف بأمين الدولة ابن التلميذ، وقد ناهز المائة من عمره، وكان طبيب دار الخلافة ببغداد، ومحظياً عند المقتفي، وكان حاذقاً، فاضلاً، ظريف الشخص، عالي الهمة، مصيب الفكر، شيخ النصارى، وقسيسهم، وكان له في الأدب يد طولي، وكان متفنناً في العلوم، وكان فضلاء عصره يتعجبون كيف حرم الإسلام مع كمال فهمه، وغزارة علمه، والله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يريد بحكمه.
وكان أوحد الزمان، أبو البركات، هبة الله بن ملكان الحكيم، المشهور، صاحب كتاب المعتبر في الحكمة، معاصراً لابن التلميذ المذكور، وكان بينهما تنافس، كما يقع كثير بين أهل كل فضيلة وصنعة، وكان أبو البركات المذكور يهودياً، ثم أسلم في آخر عمره، وأصابه الجذام وتداوى وبرئ منه، وذهب بصره، وبقي أعمى، وكان متكبراً، وكان ابن التلميذ متواضعاً، فعمل ابن التلميذ في أبي البركات المذكور:
لنا صديق يهودي حماقته ... إذا تكلم تبدو فيه من فيه
يتيه والكلب أعلى منه منزلة ... كأنه بعد لم يخرج من التيه
ولابن التلميذ أيضاً:
يا من رماني عن قوس فرقته ... بسهم هجر على تلافيه
أرض لمن غاب عنك غيبته ... فذاك ذنب عقابه فيه
وله التصانيف الحسنة منها كتاب، اقرأ باذين، وله على كليات القانون حواشي، وكتاب اقرأ باذين ابن التلميذ المذكور، هو المعتمد عليه عند الأطباء، كان شيخه في الطب، أبا الحسن هبة الله بن سعيد، صاحب المغني في الطب، ولابن سعيد المذكور أيضاً، الإقناع في الطب، وهو كتاب جيد في أربعة أجزاء.
ثم دخلت سنة إحدى وستين وخمسمائة. في هذه السنة، فتح نور الدين محمود حصن المنطرة من الشمام، وكان بيد الفرنج. وفيها في ربيع الآخر توفي الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، وكنيته أبو محمد، وكان مقيماً ببغداد، ومولده سنة سبعين وأربعمائة. قال ابن الأثير: كان من الصلاح على حال عظيم، وهو حنبلي المذهب، ومدرسته ورباطه مشهوران ببغداد.
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وخمسمائة، في هذه السنة عاد أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية، وجهزه نور الدين بعسكر جيد، عدتهم ألفا فارس، فوصل إلى ديار مصر واستولى على الجيزة، وأرسل شاور إلى الفرنج واستنجدهم، وجمعهم وساروا في أثر شيركوه إلى جهة الصعيد، والتقوا على بلد يقال له أيوان، فانهزم الفرنج والمصريون، واستولى شيركوه على بلاد الجيزة، واستغلها. ثم سار إلى الإسكندرية وملكها، وجعل فيها ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، وعاد شيركوه إلى جهة الصعيد فاجتمع عسكر مصر والفرنج، وحصروا صلاح الدين بالإسكندرية مدة ثلاث أشهر، فسار شيركوه إليهم، فاتفقوا