الدين، أباه أيوب وأهله، فأرسلهم إليه نور الدين، فأعطاهم صلاح الدين الإقطاعات بمصر، وتمكن من البلاد، وضعف أمر العاضد، ولما فوض الأمر إلى صلاح الدين، تاب عن شرب الخمر وأعرض عن أسباب اللهو، وتقمص لباس الجد، ودام على ذلك إلى أن توفاه الله تعالى.
قال ابن الأثير مؤلف الكامل: رأيت كثيراً من ابتدى بالملك ينتقل إلى غيره عقبه، فإن معاوية تغلب وملك، فانتقل الملك إلى بني مروان، ثم ملك السفاح من بني العباس، فانتقل الملك إلى أخيه المنصور وعقبه، ثم السامانية أول من ابتدى بالملك منهم نصر بن أحمد، فانتقل الملك إلى أخيه إسماعيل وعقبه، ثم عماد الدولة بن بوية، ملك فانتقل الملك إلى عقب أخيه ركن الدولة، ثم ملك طغريل بك السلجوقي، فانتقل الملك إلى عقب أخيه داود، ثم شيركوه ملك، فانتقل الملك إلى ابن أخيه، ولما قام صلاح الدين بالملك، لم يبق الملك في عقبه، بل انتقل إلى أخيه العادل، وعقبه، ولم يبق لأولاد صلاح الدين غير حلب، وكان سبب ذلك كثرة قتل من يتولى ذلك أولاً وأخذه الملك، وعيون أهله وقلوبهم متعلقة به، فيحرم عقبه ذلك.
ولما استقر قدم صلاح الدين في الوزارة، قتل مؤتمن الخلافة، وكان مقدم السودان، فاجتمعت السودان، وهم حفاظ القصر، في عدد كثير، وجرى بينهم وبين صلاح الدين وعسكره وقعة عظيمة، بين القصرين، انهزم فيها السودان، وقتل منهم خلق كثير، وتبعهم صلاح الدين فأجلاهم قتلاً وتهجيجاً، وحكم صلاح الدين على القصر، وأقام فيه بهاء الدين قراقوش الأسدي، وكان خصياً أبيض، وبقي لا يجري في القصر صغيرة ولا كبيرة إلا بأمر صلاح الدين.
ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة، كان بين إينانج صاحب الري، وبين الدكز، حرب انتصر فيها الدكز، وملك الري، وهرب إينانج وانحصر في بعض القلاع، فأرسل الدكز ورغب غلمان إينانج في الإقطاعات إن قتلوا إيناج أستاذهم، فقتلوه ولحقوا بالدكز، فلم يف لهم وقال: مثل هؤلاء لا ينبغي الإبقاء عليهم، فهربوا إلى البلاد، ولحق بعضهم، وهو الذي قتل أستاذه بخوارزم شاه، فصلبه لخيانته أستاذه.
وفيها توفي الشيخ أبو محمد الفارقي، وكان أحد الزهاد، وله كرامات كثيرة، كان يتكلم على الخاطر، وكلامه مجموع مشهور. وفيها توفي ياروق أرسلان التركماني، وكان مقدماً كبيراً، وإليه تنسب الطائفة الياروقية من التركمان، وكان عظيم الخلقة، يسكن بظاهر حلب، وبنى على شاطئ قويق هو وأتباعه عماير كثيرة، وتعرف الآن بالياروقية، وهي مشهورة هنا.
ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة.
فيها سارت الفرنج إلى دمياط وحصروها، وشحنها صلاح الدين بالرجال والسلاح والذخائر، وأخرج على ذلك أموالاً عظيمة، فحصروها خمسين يوماً، وخرج نور الدين فأغار على بلادهم بالشام، فرحلوا عائدين على أعقابهم، ولم يظفروا