السبت الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، سنة أربع وستين وخمسمائة. فكانت ولايته شهرين وخمسة أيام، وكان شيركوه وأيوب ابني شاذي من بلد دوين، قال ابن الأثير: وأصلهما من الأكراد الروادية، فقصدا العراق وخدما بهروز شحنة السلجوقية ببغداد، وكان أيوب أكبر من شيركوه، فجعله بهروز مستحفظاً لقلعة تكريت، ولما انكسر عماد الدين زنكي من عسكر الخليفة، ومر على تكريت، خدمه أيوب وشيركوه، ثم، إن شيركوه قتل إنساناً بتكريت، فأخرجهما بهروز من تكريت، فلحقا بخدمة عماد الدين زنكي، فأحسن إليهما وأعطاهما إقطاعات جليلة، ولما ملك عماد الدين زنكي قلعة بعلبك، جعل أيوب مستحفظاً لها، ولما حاصره عسكر دمشق بعد موت زنكي، سلمها أيوب إليهم، على إقطاع كبير شرطوه له، وبقي أيوب من أكبر أمراء عسكر دمشق، وبقي شيركوه مع نور الدين محمود بعد قتل أبيه زنكي، وأقطعه نور الدين حمص والرحبة، لما رأى من شجاعته، وزاده عليهما، وجعله مقدم عسكره، فلما أراد نور الدين ملك دمشق، أمر شيركوه فكاتب أخاه أيوب، فساعد أيوب نور الدين على ملك دمشق، وبقيا مع نور الدين إلى أن أرسل شيركوه إلى مصر مرة بعد أخرى حتى ملكها، وتوفي فيها في هذه السنة، على ما ذكرناه ولما توفي شيركوه، كان معه صلاح الدين يوسف ابن أخيه أيوب ابن شاذي، وكان قد سار معه على كره قال صلاح الدين: أمرني نور الدين بالمسير مع عمي شيركوه، وكان قد قال شيركوه بحضرته لي: تجهز يا يوسف للمسير، فقلت: والله لو أعطيت ملك مصر ما سرت إليها، فلقد قاسيت بالإسكندرية ما لا أنساه أبداً، فقال لنور الدين لا بد من مسيره معي فأمرني نور الدين وأنا أستقيل. فقال نور الدين: لا بد من مسيرك مع عمك. فشكوت الضائقة، فأعطاني ما تجهزت به، فكأنما أنساق إلى الموت، فلما مات شيركوه، طلب جماعة من الأمراء النورية التقدم على العسكر، وولاية الوزارة العاضدية، منهم عين الدولة الياروقي، وقطب الدين ينال المنبجي، وسيف الدين علي بن أحمد المشطوب الهكاري، وشهاب الدين محمود الحارمي، وهو خال صلاح الدين، فأرسل العاضد، أحضر صلاح الدين وولاه الوزارة، ولقبه بالملك الناصر، فلم تطعه الأمراء المذكورون، وكان مع صلاح الدين، الفقيه عيسى الهكاري، فسعى مع المشطوب حتى أماله إلى صلاح الدين، ثم قصد الحارمي، وقال: هذا ابن أختك، وعزة وملكه لك، فمال إليه أيضاً، ثم فعل بالباقين كذلك، فكلهم أطاع، غير عين الدولة الياروقي، فإنه قال: أنا لا أخدم يوسف، وعاد إلى نور الدين بالشام.
وثبت قدم صلاح الدين، على أنه نائب لنور الدين، وكان نور الدين يكاتب صلاح الدين بالأمير الأسفهسلار، ويكتب علامته على رأس الكتاب، تعظيماً عن أن يكتب اسمه، وكان لا يفرده بكتاب، بل إلى الأمير صلاح الدين وكافة الأمراء بالديار المصرية، يفعلون كذا وكذا، ثم أرسل صلاح الدين يطلب من نور