ذكر غزو السلطان الكرك في هذه السنة في ربيع الآخر، سار السلطان صلاح الدين من دمشق للغزو، وكتب إلى مصر، فسارت عساكرها إليه، ونازل الكرك وحصره وضيق على من به وملك ربض الكرك، وبقيت القلعة، وليس بينها وبين الربض غير خندق خشب، وقصد السلطان صلاح الدين طمه فلم يقدر، لكثرة المقاتلة، فجمعت الفرنج فارسها وراجلها، وقصدوه، فلم يمكن السلطان إلا الرحيل، فرحل عن الكرك وسار إليهم، فأقاموا في أماكن وعرة، وأقام السلطان قبالتهم، وسار من الفرنج جماعة ودخلوا الكرك، فعلم بامتناعه عليه، فسار إلى نابلس وأحرقها ونهب ما بتلك النواحي وقتل وأسر وسبى فأكثر، ثم سار إلى صبصطية وبها مشهد زكريا، فاستنقذ ما بها من أسرى المسلمين، ثم سار إلى جنبتين ثم عاد إلى دمشق.
ذكر وفاة صاحب ماردين
في هذه السنة مات قطب الدين أيلغازي بن نجم الدين ألبي بن تمرتاش بن أيلغازي بن أرتق صاحب ماردين، أقول إنه قد تقدم في سنة سبع وأربعين وخمسمائة ذكر ملك ألبي ولد أيلغازي المذكور، وبقي ألبي في ملك ماردين حتى مات، وملك بعده ابنه أيلغازي المذكور، ولم يقع لي وفاة ألبي، وملك أيلغازي المذكورين متى كان لأثبته، ولما مات أيلغازي المذكور، كان له أولاد أطفال، فأقيم في الملك بعده ولده حسام الدين بولق أرسلان، وقام بتدبير المملكة وترتيبها مملوك والده نظام الدين البقش، حتى كبر بولق أرسلان، وكان به هوج وخبط، فمات بولق أرسلان وأقام البقش بعده أخاه الأصغر ناصر الدين أرتق أرسلان بن قطب الدين أيلغازي، ولم يكن له حكم، بل الحكم إلى البقش وإلى مملوك للبقش اسمه لؤلؤ، كان قد تغلب على أستاذه البقش، بحيث كان لا يخرج البقش عن رأي لؤلؤ المذكور، ولم يكن لناصر الدين أرتق أرسلان صاحب ماردين من الحكم شيء، وبقي الأمر كذلك إلى سنة إحدى وستمائة، فمرض النظام البقش وأتاه ناصر الدين صاحب ماردين يعوده، فلما خرج من عنده خرج معه لؤلؤ فضربه ناصر الدين بسكين فقتله، ثم عاد إلى البقش فقتله وهو مريض، واستقل أرتق أرسلان بملك ماردين من غير منازع.
وفي هذه السنة توفي شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم بن إسماعيل بن أبي سعيد أحمد، وكان قد سار من عند الخليفة إلى السلطان صلاح الدين في رسالة، ومعه شهاب الدين بشير الخادم، ليصلحا بين السلطان صلاح الدين وبين عز الدين مسعود صاحب الموصل، فلم ينتظم حال، واتفق أنهما مرضا بدمشق وطلبا المسير إلى العراق، وسارا في الحر فمات بشير بالسخنة ومات صدر الدين شيخ الشيوخ بالرحبة، ودفن بمشهد البوق، وكان أوحد زمانه، قد جمع بين رئاسة الدين والدنيا.
وفيها في المحرم أطلق عز الدين مسعود صاحب الموصل مجاهد الدين قيماز من الحبس، وأحسن إليه.