أرنلط صاحب الكرك، وصاحب جبيل، وابن الهنفري، ومقدم الداوية، وجماعة من الإسبتارية، وما أصيبت الفرنج من حين خرجوا إلى الشام، وهي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى الآن بمصيبة مثل هذه الوقعة، ولما انقضى المصاف جلس السلطان في خيمته، وأحضر ملك الفرنج وأجلسه إلى جانبه، وكان الحر والعطش به شديداً، فسقاه السلطان ماء مثلوجاً، وسقى ملك الفرنج منه البرنس أرنلط صاحب الكرك.
فقال له السلطان: إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني، فيكون أماناً له، ثم كلم السلطان البرنس ووبخه وفزعه على غدره، وقصده الحرمين الشريفين، وقام السلطان بنفسه فضرب عنقه، فارتعدت فرائص ملك الفرنج، فسكن جأشه.
ثم عاد السلطان إلى طبرية وفتح قلعتها بالأمان، ثم سار إلى عكا وحاصرها وفتحها بالأمان، ثم أرسل أخاه الملك العادل فنازل مجد اليابا وفتحه عنوة بالسيف، ثم فرق السلطان عسكره، ففتحوا الناصرة، وقيسارية، وهيفا، وصفورية، ومعلثا، والفولة، وغيرها من البلاد المجاورة لعكا، بالسيف، وغنموا وقتلوا وأسروا أهل هذه الأماكن، وأرسل فرقة إلى نابلس فملكوا قلعتها بالأمان.
ثم سار الملك العادل بعد فتح مجد اليابا إلى يافا وفتحها عنوة بالسيف، ثم سار السلطان إلى تبنين ففتحها بالأمان، ثم سار إلى صيدا فأخلاها صاحبها وتسلمها السلطان ساعة وصوله، لتسع بقين من جمادى الأولى من هذه السنة، ثم سار إلى بيروت فحصرها وتسلمها في التاسع والعشرين من جمادى الأولى بالأمان، وكان حصرها مدة ثمانية أيام، وكان صاحب جبيل من جملة الأسرى، فبذل جبيل في أن يسلمها ويطلق سراحه، فأجيب إلى ذلك. وكان صاحب جبيل ابن أعظم الفرنج، وأشدهم عداوة للمسلمين، ولم تك عاقبة إطلاقه حميدة، وأرسل السلطان فتسلم جبيل وأطلقه.
وفيها حضر المركيس في سفينة إلى عكا وهي للمسلمين، ولم يعلم المركيس بذلك، واتفق هجوم الهواء فراسل المركيس الملك الأفضل وهو بعكا، يقترح أمراً بعد آخر، والملك الأفضل يجيب المركيس إلى ذلك، إلى أن هب الهواء فأقلع المركيس إلى صور، واجتمع عليه الفرنج الذين بها، وملك صور، وكان وصول المركيس إلى صور وإطلاق الفرنج الذين يأخذ السلطان بلادهم بالأمان، ويحملهم إلى صور من أعظم أسباب الضرر التي حصلت، حتى راحت عكا وقوي الفرنج بذلك، ثم سار السلطان إلى عسقلان وحاصرها أربعة عشر يوماً وتسلمها بالأمان، سلخ جمادى الآخرة.
ثم بث السلطان عسكره ففتحوا الرملة، والداروم، وغزة، وبيت لحم، وبيت جبريل، والنطرون. وغير ذلك.
ثم سار السلطان ونازل القدس، وبه من النصارى عدد يفوت الحصر، وضايق السلطان السور بالنقابين، واشتد القتال، وغلقوا السور، فطلب الفرنج الأمان فلم يجبهم السلطان إلى ذلك، وقال: لا آخذها إلا بالسيف، مثلما أخذها الفرنج من المسلمين، فعاودوه في الأمان، وعرفوه ما هم عليه من الكثرة، وأنهم إن أيسوا