منه من الأمان، قاتلوا خلاف ذلك، فأجابهم السلطان إليه بشرط أن يؤدي كل من بها عشرة الدنانير عشرة الدنانير من الرجال، يؤدي النساء خمسة خمسة، ويؤدوا عن كل طفل دينارين، وأي من عجز عن الأداء كان أسيراً، فأجيب إلى ذلك، وسلمت إليه المدينة يوم الجمعة في السابع والعشرين من رجب، وكان يوماً مشهوداً، ورفعت الأعلام الإسلامية على أسرار المدينة، ورتب السلطان على أبواب البلد من يقبض منهم المال المذكور، فخان المرتبون في ذلك ولم يحملوا منه إلا القليل، وكان على رأس قبة الصخرة صليب كبير مذهب، وتسلق المسلمون وقلعوه، فسمع لذلك ضجة لم تعهد مثلها من المسلمين للفرح والسرور، ومن الكفار بالتفجع والتوجع، وكان الفرنج قد عملوا في غربي الجامع الأقصى هرباً ومستراحاً، فأمر السلطان بإزالة ذلك وإعادة الجامع إلى ما كان عليه.
وكان نور الدين محمود بن زنكي قد عمل منبراً بحلب قد تعب عليه مدة، وقال: هذا لأجل القدس، فأرسل السلطان صلاح الدين وأحضر المنبر من حلب وجعله في الجامع الأقصى، وأقام السلطان بعد فتوح القدس بظاهره إلى الخامس والعشرين من شعبان، يرتب أمور البلد وأحوالها، وأمر بعمل الربط والمدارس الشفعوية.
ثم رحل السلطان إلى عكا ورحل منها إلى صور وصاحبها المركيس، وقد حصنها بالرجال، وحفر خندقها، ونزل السلطان على صور تاسع شهر رمضان وحاصرها وضايقها، وطلب الأسطول، فوصل إليه في عشرة شوان، فاتفق أن الفرنج كبسوهم في الشواني وأخذوا خمسة شواني ولم يسلم من المسلمين إلا من سبح ونجا، وأخذ الباقون وطال الحصار عليها، فرحل السلطان عنها في آخر شوال، وكان أول كانون الأول، وأقام بعكا وأعطى العساكر الدستور، فسار كل واحد إلى بلده، وبقي السلطان بعكا في حلقته، وأرسل إلى هوبين ففتحها بالأمان.
ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة سار شمس الدين محمد بن عبد الملك، عرف بابن المقدم، بعد فتح القدس، حاجاً، وكان هو أمير الحاج الشامي، ليجمع بين الغزوة وزيارة القدس والخليل عليه السلام، والحج في عام واحد، فسار ووقف بعرفات، ولما أفاض، أرسل إليه طاشتكين أمير الحاج العراقي يمنعه من الإفاضة قبله، فلم يلتفت إليه، فسار العراقيون واتقعوا مع الشاميين، ففتل بينهم جماعة، وابن المقدم يمنع أصحابه من القتال، ولو أمكنهم لانتصفوا من العراقيين، فجرح ابن المقدم ومات شهيداً ودفن بمقبرة المعلى.
وفيها قوي أمر السلطان طغريل بن أرسلان شاه بن طغريل بن السلطان محمد بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وملك كثيراً من البلاد، وأرسل قزل ابن الدكز إلى الخليفة يستنجده ويخوفه عاقبة أمر طغريل.