ثم سار إلى القدس وقرر أموره وعاد إلى مخيمه بالتظرون، ثامن شهر رمضان، ثم تراسل الفرنج والسلطان في الصلح على أن يتزوج الملك العادل أخو السلطان بأخت ملك الإنكتار، ويكون للملك العادل القدس، ولامرأته عكا، فحضر القسيسون وأنكروا عليها ذلك إلا أن يتنصر الملك العادل، فلم يتفق بينهم حال، ثم رحل الفرنج من يافا إلى الرملة ثالث ذي القعدة، وبقي في كل يوم يقع بين المسلمين وبينهم مناوشات، فلقوا من ذلك شدة شديدة، وأقبل الشتاء وحالت الأوحال بينهم، ولما رأى السلطان ذلك وقد ضجرت العساكر، أعطاهم الدستور وسار إلى القدس، لسبع بقين من في القعدة، ونزل داخل البلد واستراحوا مما كانوا فيه، وأخذ السلطان في تعمير القدس وتحصينه، وأمر العسكر بنقل الحجارة، وكان السلطان ينقل الحجارة بنفسه على فرسه، ليقتدي به العسكر فكان يجتمع عند العمالين في اليوم الواحد ما يكفيهم لعدة أيام.
ذكر وفاة الملك المظفر تقي الدين عمر كان الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب قد سار إلى البلاد المرتجعة من كوكبوري، التي زاده إياها عمه السلطان من وراء الفرات، وهي حران وغيرها، فامتدت عين الملك المظفر إلى بلاد مجاوريه، واستولى على السويداء وحاني، واتقع مع بكتمر صاحب خلاط فكسره وحصره في خلاط، وتملك على معظم البلاد، ثم رحل عنها ونازل ملازكرد، وهي لبكتمر، وضايقها، وكان في صحبته ولده الملك المنصور محمد بن الملك المظفر عمر المذكور، فعرض للملك المظفر مرض شديد، وتزايد به حتى توفي يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان من هذه السنة، أعني سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فأخفى ولده الملك المنصور وفاته، ورحل عن ملازكرد ووصل به إلى حماة، ودفنه بظاهرها، وبنى إلى جانب التربة مدرسة، وذلك مشهور هناك، وكان الملك المظفر شجاعاً شديد البأس، ركناً عظيماً من أركان البيت الأيوبي، وكان عنده فضل وأدب، وله شعر حسن، واتفق أن في ليلة الجمعة التي توفي فيها الملك المظفر، توفي فيها حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين، وأمه ست الشام بنت أيوب أخت السلطان، فأصيب السلطان في تاريخ واحد بابن أخيه وابن أخته.
ولما مات الملك المظفر، راسل ابنه الملك المنصور، السلطان صلاح الدين، واشترط شروطاً نسبه السلطان فيها إلى العصيان، وكاد أمره يضطرب بالكلية، فراسل الملك المنصور عمه الملك العادل في استعطاف خاطر السلطان، فما برح الملك العادل بأخيه السلطان يراجعه ويشفع في الملك المنصور، حتى أجابه السلطان، وقرر للملك المنصور حماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم، وارتجع السلطان البلاد الشرقية وما معها، وأقطعها أخاه الملك العادل، بعد أن شرط السلطان أن الملك العادل ينزل عن كل ما له من الإقطاع بالشام، خلا الكرك والشوبك