للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكاتب: حسبت ما أطلقه السلطان في مدة مقامه بمرج عكا من خيل عراب وأكاديش، فكان اثني عشر ألف رأس، وذلك غير ما أطلقه من أثمان الخيل المصابة في القتال، ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو مرهوب، أو موعود به، ولم يؤخر صلاة عن وقتها، ولا صلى إلا في جماعة، وكان إذا عزم على أمر توكل على الله، ولا يفضل يوماً على يوم، وكان كثير سماع الحديث النبوي، قرأ مختصراً في الفقه تصنيف سليم الداري، وكان حسن الخلق صبوراً على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب صحابه، يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلمه بذلك ولا يتغير عليه، وكان يوماً جالساً، فرمى بعض المماليك بعضاً بسر موزة، فأخطأته ووصلت إلى السلطان فأخطأته ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى ليتغافل عنها، وكان طاهر المجلس فلا يذكر أحد في مجلسه إلا بالخير، وطاهر اللسان، فما يولع بشمتم قط.

قال العماد الكاتب: مات بموت السلطان الرجال، وفات بوفاته الأفضال، وغاضت الأيادي، وفاضت الأعادي، وانقطعت الأرزاق، وادلهمت الآفاق، وفجع الزمان بواحده وسلطانه، ورزئ الإسلام بمشيد أركانه.

ذكر ما استقر عليه الحال بعد وفاة السلطان لما توفي السلطان الملك الناصر صلاح الدين، استقر في الملك بدمشق وبلادها المنسوبة إليها، ولده الملك الأفضل نور الدين علي وبالديار المصرية العزيز عماد الدين عثمان. وبحلب الملك الظاهر غياث الدين غازي. وبالكرك والشوبك والبلاد الشرقية الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب. وبحماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر. وببعلبك الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب. وبحمص والرحبة وتدمر شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي. وبيد الملك الظافر خضر بن السلطان صلاح الدين بصرى، وهو في خدمة أخيه الملك الأفضل، وبيد جماعة من أمراء الدولة بلاد وحصون، منهم سابق الدين عثمان بن الداية، بيده شيزر، وأبو قبيس، وناصر الدين بن كورس بن خمار دكين بيده صهيون وحصن برزية. وبدر الدين دلدرم بن بهاء الدين ياروق بيده تل باشر. وعز الدين أسامة بيده كوكب وعجلون. وعز الدين إبراهيم بن شمس الدين بن المقدم بيده بعرين وكفر طاب وفامية. والملك الأفضل هو الأكبر من أولاد السلطان والمعهود إليه بالسلطنة، واستوزر الملك الأفضل ضياء الدين نصر الله بن محمد بن الأثير مصنف المثل السائر، وهو أخو عز الدين بن الأثير مؤلف التاريخ المسمى بالكامل، فحسن للملك الأفضل طرد أمراء أبيه، ففارقوه إلى أخويه العزيز والظاهر.

قال العماد الكاتب: وتفرد الوزير في توزره، ومد الجزري في جزره، ولما اجتمعت أكابر الأمراء بمصر حسنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>