الأطباء في الرابع، فاشتد مرضه، وحدث به في التاسع رعشة، وغاب ذهنه وامتنع من تناول المشروب، واشتد الإرجاف في البلد، وغشي الناس من الحزن والبكاء عليه ما لا يمكن حكايته، وحقن في العاشر حقنتين، فحصل له راحة، وتناول من ماء الشعير مقداراً صالحاً، ثم لحقه عرق كثير حتى نفذ من الفراش، واشتد المرض ليلة الثاني عشر من مرضه، وهي ليلة السابع والعشرين من صفر، وحضر عنده الشيخ أبو جعفر إمام الكلاسة ليبيت عنده في القلعة، بحيث إن احتضر بالليل ذكره الشهادة، وتوفي السلطان في الليلة المذكورة، أعني في الليلة المستقرة عن نهار الأربعاء السابع والعشرين من صفر، بعد صلاة الصبح، من هذه السنة، أعني سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
وبادر القاضي الفاضل بعد صلاة الصبح فحضر وفاته، ووصل القاضي بهاء الدين بن شداد بعد موته وانتقاله إلى رحمة الله وكرامته، وغسله الفقيه الدولعي خطيب دمشق، وأخرج بعد صلاة الظهر من نهار الأربعاء المذكور في تابوت مسجى بثوب، وجميع ما احتاجوا من الثياب في تكفينه أحضره القاضي الفاضل من جهة حل عرفه، وصلى عليه الناس ودفن في قلعة دمشق، في الدار التي كان مريضاً فيها، وكان نزوله إلى جدثه وقت صلاة العصر من النهار المذكور، وكان الملك الأفضل ابنه قد حلف الناس له قبل وفاة والده عندما اشتد مرضه، وجلس للعزاء في القلعة، وأرسل الملك الأفضل على الكتب بوفاة والده إلى أخيه العزيز عثمان بمصر، وإلى أخيه الظاهر غازي بجلب، وإلى عمه الملك العادل أبي بكر بالكرك. ثم إن الملك الأفضل عمل لوالده تربة قرب الجامع، وكانت داراً لرجل صالح، ونقل إليها السلطان يوم عاشورا سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، ومشى الملك الأفضل بين يدي تابوته، وأخرج من باب القلعة على دار الحديث إلى باب البريد، وأدخل الجامع ووضع قدام الستر وصلى عليه القاضي محيط الدين بن القاضي زكي الدين، ثم دفن وجلس ابنه الملك الأفضل في الجامع ثلاثة أيام للعزاء، وأنفقت ست الشام بنت أيوب أخت السلطان في هذه النوبة أموالاً عظيمة.
وكان مولد السلطان صلاح الدين بتكريت، في شهور سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، فكان عمره قريباً من سبع وخمسين سنة، وكانت مدة ملكه للديار المصرية نحو أربع وعشرين سنة، وملكه الشام قريباً من تسع عشرة سنة، وخلف سبعة عشر ولدا ذكراً، وبنتاً واحدة، وكان أكبر أولاده الملك الأفضل نور الدين علي بن يوسف، ولد بمصر سنة خمس وستين وخمسمائة، وكان العزيز عثمان أصغر منه بنحو سنتين، وكان الظاهر صاحب حلب أصغر منهما، وبقيت البنت حتى تزوجها ابن عمها الملك الكامل صاحب مصر، ولم يخلف السلطان صلاح الدين في خزانته غير سبعة وأربعين درهماً، وحرم واحد صوري، وهذا من رجل له الديار المصرية والشام وبلاد الشرق واليمن، دليل قاطع على فرط كرمه، ولم يخلف داراً ولا عقاراً. قال العماد