تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل ... وفارقته إذ أعوزتك المآكل
وما اخترت رأي الشافعي تديناً ... ولكنما تهوى الذي هو حاصل
وعما قليل أنت لا شك صائر ... إلى مالك فافطن بما أنا قائل
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وستمائة: ذكر وفاة الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب حلب ولما كانت صبيحة يوم السبت، وهو الخامس والعشرون من جمادى الأولى، من هذه السنة، ابتدأ بالملك الظاهر المذكور حمى حادة، ولما اشتد مرضه، أحضر القضاة والأكابر، وكتب نسخة يمين أن يكون الملك بعده لولده الصغير، الملك العزيز، ثم بعده لولده الكبير، الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن غازي، وبعدهما لابن عمهما الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين. وحلف الأمراء والأكابر على ذلك، وجعل الحكم في الأموال والقلاع إلى شهاب الدين ظغريل الخادم، وأعذق به جميع أمور الدولة، وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة، أقطع الملك الظافر خضر، المعروف بالمستمر، كفر سودا، وأخرج من حلب في ليلته بالتوكيل، وأخرج علم الدين قيصر، مملوك الملك الظاهر إلى حارم نائباً. وفي خامس عشر جمادى الآخرة اشتد مرض الملك الظاهر، ومنع الناس الدخول إليه، وتوفي في ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة، وكان مولده بمصر في نصف رمضان، سنة ثمان وستين وخمسمائة، فكان عمره أربعاً وأربعين سنة وشهوراً، وكانت مدة ملكه لحلب من حين وهبها له أبوه، إحدى وثلاثين سنة. وكان فيه بطش وإقدام على سفك الدماء، ثم أقصر عنه، وهو الذي جمع شمل البيت الناصري الصلاحي، وكان ذكياً فطناً، وترتب الملك العزيز في المملكة، ورجع الأمور كلها إلى شهاب الدين طغريل الخادم، فدبر الأمور، وأحسن السياسة، وكان عمر الملك العزيز لما قرر في المملكة سنتين وأشهراً، وعمر أخيه الملك الصالح نحو اثنتي عشر سنة.
وفي هذه السنة توفي تاج الدين زيد بن الحسين بن زيد الكندي. وكان إماماً في النحو واللغة، وله الإسناد العالي في الحديث، وكان ذا فنون كثيرة في أنواع العلم، وهو بغدادي المولد والمنشأ، وانتقل وأقام بدمشق.
ثم دخلت سنة أربع عشرة وستمائة والسلطان الملك العادل بالديار المصرية، وقد اجتمعت الفرنج من داخل البحر، ووصلوا إلى عكا في جمع عظيم، ولما بلغ الملك العادل ذلك خرج بعساكر مصر وسار حتى نزل على نابلس، فسارت الفرنج إليه، ولم يكن معه من العساكر ما يقدر به على مقاتلتهم، فاندفع قدامهم إلى عقبة أفيق، فأغاروا على بلاد المسلمين، ووصلت غارتهم إلى نوى من بلد السواد، ونهبوا ما بين بيسان ونابلس، وبثوا سراياهم فقتلوا وغنموا من