المسلمين ما يفوت الحصر، وعادوا إلى مرج عكا، وكان قوة هذا النهب ما بين منتصف رمضان وعيد الفطر من هذه السنة، وأقام الملك العادل بمرج الصفر، وسارت الفرنج وحصروا حصن الطور، وهو الذي بناه الملك العادل على ما تقدم ذكره، ثم رحلوا عنه وانقضت السنة، والفرنج بجموعهم في عكا.
ذكر غير ذلك في هذه السنة سار خوارزم شاه علاء الدين حمد بن تكش إلى بلاد الجبل وغيرها فملكها، فمنها ساوه، وقزوين، وزنجان، وأبهر، وهمذان، وأصفهان، وقم، وقاشان. ودخل أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وآران في طاعة خوارزم شاه؛ وخطب له ببلاده. ثم عزم خوارزم شاه على المسير إلى بغداد للاستيلاء عليها، وقدم بعض العسكر بين يديه، وسار خوارزم شاه في إثرهم عن همذان يومين أو ثلاثة فسقط عليهم من الثلج مالم يسمع بمثله، فهلكت دوابهم، وخاف من حركة التتر على بلاده، فولى على البلاد التي استولى عليها وعاد إلى خراسان، وقطع خطبة الخليفة الإمام الناصر في بلاد خراسان في سنة خمس عشرة وستمائة، وكذلك قطعت خطبة الخليفة من بلاد ما وراء النهر، وبقيت خوارزم وسمرقند وهراة لم يقطع الخطبة منها، فإن أهل هذه البلاد كانوا لا يلتزمون بمثل هذا، بل يخطبون لمن يختارون ويفعلون نحو ذلك.
ثم دخلت سنة خمس عشرة وستمائة والملك العادل بمرج الصفر، وجموع الفرنج بمرج عكا، ثم ساروا منها إلى الديار المصرية ونزلوا على دمياط، وسار الملك الكامل ابن الملك العادل من مصر ونزل قبالتهم واستمر الحال كذلك أربعة أشهر، وأرسل الملك العادل العساكر التي عنده إلى عند ابنه الملك الكامل، فوصلت إليه أولاً فأولاً، ولما اجتمعت العساكر عند الملك الكامل، أخذ في قتال الفرنج، ودفعهم عن دمياط.
ذكر وفاة الملك القاهر صاحب الموصل في هذه السنة توفي الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر، صاحب الموصل، وكانت وفاته لثلاث بقين من ربيع الأول، وكانت مدة ملكه سبع سنين وتسعة أشهر، وانقرض بموته ملك البيت الأتابكي، وخلف ولدين، أكبرهما اسمه أرسلان شاه، وكان عمره حينئذ نحو عشر سنين، فأوصى بالملك له، وأن يقوم بتدبير مملكته بدر الدين لؤلؤ، فنصب بدر الدين لؤلؤ في المملكة، وجعل. الخطبة والسكة باسمه، وقام لؤلؤ بتدبر المملكة أحسن قيام.